للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمحققون هكذا صفتهم يعرفون الحق والباطل وكذلك وعد الله تعالى المتقين فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (١) .

أما العقل المخلط المكب على شهوات الدنيا المحجوب عقله عن الله عزَّ وجلَّ فليس هو المغنى بهذا؛ لأن صدره مظلم، فكيف يعرف الحق؟ وإنما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "إذا جاءكم عنى حديث تعرفونه، ولا تنكرونه" (٢) .

قلت: ومما سبق يتبين لنا أن "قاعدة عرض السنة على العقل" في الحكم على السنة النبوية المطهرة، قاعدة مقررة عند المحدثين والفقهاء، وطبقوها فعلاً في قبولهم للأحاديث وتصحيحها، إلا أنها مقيدة باستحالة التأويل بالجمع بين ما ظاهره التعارض بين النقل وما استغربه العقل الواقف عند الحدود التى وضعها له خالقه، فلا يحسن إلا ما حسنه الشرع، ولا يقبح إلا ما قبحه الشرع، ولا يقدم حكمه على حكم رب العباد عزَّ وجلَّ.

وأخيرًا: صدق الفاروق عمر رضي الله عنه قال: " ألا إن أصحاب الرأى أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوا فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا، ألا وإنا نقتدى ولا نبتدى، ونتبع ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر" وفي رواية قال: "إياكم ومجالسة أصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنة، أعيتهم السنة أن يحفظوها، ونسوا الأحاديث أن يعوها، وسئلوا عما لا يعلمون، فاستحيوا أن يقولوا لا نعلم، فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا كثيرًا، وضلوا عن سواء السبيل، إن نبيكم لم يقبضه الله حتى أغناه الله بالوحي عن الرأي، ولو كان الرأي أولى من السنة، لكان باطن الخفين أولى بالمسح من ظاهرهما" (٣) .


(١) الآية ٢٩ من سورة الأنفال.
(٢) نوادر الأصول للحكيم الترمذي الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث ١/ ٣٦١، وانظر: قواعد التحديث للقاسمي ص ١٦٥.
(٣) الفقيه والمتفقه للخطيب ١/ ٤٥٣، ٤٥٤ رقمى ٤٧٧، ٤٧٨، وقال ابن قيم الجوزية وأسانيد هذه الآثار = =عن عمر في غاية الصحة. انظر: أعلام الموقعين ١/ ٥٥، وانظر: في نفس المصدر ١/ ٦٦، ٦٧، "معنى الرأي، ومتى يكون محمودًا، ومتى يكون مذمومًا"، وانظر: المدخل إلى السنة للأستاذ الدكتور عبد المهدي ص ١١٤، ٢٥٩.

<<  <   >  >>