ومما يؤكد لنا أنه لم يزج بأحد فى السجن، ما جاء فى رواية الرَامَهُرْمُزِى من قول شيخه أبى عبد لله البرى قال:"يعنى منعهم الحديث، ولم يكن لعمر حبس"(١) وهذا على فرض صحة الأثر، وإلا فهو منقطع، لأنه من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ولم يسمع من عمر كما رجحه الهيثمى وأحمد محمد شاكر، وابن حزم وقال: "ثم هو فى نفسه ظاهر الكذب والتوليد، لأنه لا يخلوا عمر من أن يكون اتهم الصحابة، وفى هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وألزمهم كتمانها وجحدها وألاَّ يذكروها لأحد، فهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل هذا، ولئن كان سائر الصحابة متهمين فى الكذب على النبى صلى الله عليه وسلم فما عمر إلا واحد منهم، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً، ولئن كان حبسهم، وغيرهم متهمين لقد ظلمهم!
فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات الملعونة أى الطريقتين الخبيثتين شاء، ولابد له من أحدهما.
وإنما معنى نهى عمر رضي الله عنه من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح، فهو بَيْنٌ فى الحديث الذى أوردناه من طريق قرظة، وهو إنما نهى عن الحديث بالأخبار عمن سلف من الأمم، وعما أشبه.
... وأما نهى عن الحديث بالسنن عن النبى صلى الله عليه وسلم فهذا ما لا يحل لمسلم أن يظنه بمن دون عمر من عامة المسلمين، فكيف بعمر رضي الله عنه.
(١) المحدث الفاصل ص١٣٣، وانظر: السنة قبل التدوين ص ١١٠.