للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. قلت: وكيف يظن بعمر بنهيه عن الإكثار من الرواية ليتثبت فيها كما سبق، أنه يأمر بكتمان ما أنزل الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المعظم الموقر لسنة النبى صلى الله عليه وسلم الحاكم بها فى كل شأن من شئون حياته، وشئون رعيته (١) ، وهو القائل رضي الله عنه: "تعلموا الفرائض، واللحن والسنن، كما تعلمون القران" (٢) ، وهو القائل أيضاً: "سيأتى ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله" (٣) وهو القائل: "إياكم وأصحاب الرأى فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأى فضلوا وأضلوا" (٤) .

... فصح بكل هذا أن عمر رضي الله عنه أَمَرَ بتعليم السنن، وبين أن أصحابها أعلم الناس بكتاب الله عز وجل، وفى المقابل أعداء السنن، وأجهل الناس بكتاب الله عز وجل هم أهل الرأى المذموم.

فهل يصح بعد هذا القول بأن نهى عمر عن الإكثار من الرواية كتماناً للسنة أو أنه أراد ألا تكون السنة ديناً عاماً دائماً كالقرآن؟!! "سبحانك هذا بهتان عظيم.

أو أنه رضي الله عنه كان يتهم الصحابة جميعاً بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون بهذا متهماً لنفسه بأنه من أصحاب الرأى، ومتهماً لنفسه أيضاً بالكذب فما هو إلا واحد من الصحابة؛ وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً كما سبق من قول بن حزم.


(١) سبق تفصيل ذلك راجع إن شئت ص ٣٠١-٣٠٤.
(٢) أخرجه الدارمى فى سنته كتاب الفرائض، باب فى تعليم الفرائض ٢/٤٤١ رقم ٢٨٥٠، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم ٢/١٢٣. وسبق قول أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه لأهل البصرة "بعثنى إليكم عمر أعلمكم كتاب ربكم وسنتكم"، راجع ص ٣٢٩.
(٣) أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة ١/٦٢ رقم ١١٩، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم ٢/١٢٣، وابن حزم فى الإحكام ٢/٢٦٧.
(٤) سبق تخريجه ص ٦٢.

<<  <   >  >>