للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم إن السنة لم تدون فى عهد ابن الحطاب لأن التدوين منهى عنه، بل لعلة أساسية هى: إبعاد الأمة الإسلامية عن الخطأ الأثيم الذى ارتكبه أهل الكتاب من قبل بتبديل كتاب الله التوراة، والإنجيل بوصايا الرسل وجعلوها هى الكتب المنزَّلة (١) .

كذلك حفاظاً على كتاب الله عز وجل والتمكين له أولاً فى قلوب المؤمنين كما مر فى وصيته لقرظة بن كعب رضي الله عنه وهو متوجه إلى الكوفة.

... لهذا خشى أن تدون السنة فينكب عليها المسلمون، ويتشاغلوا بها عن القرآن الكريم فيتشبهون بأهل الكتاب كما قال "ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإنى والله لا ألبس كتاب الله بشئ" (٢) .

... من أجل هذا فهو يمتنع عن التدوين بعد أن استشار، وظل يستخير ربه شهراً كاملاً.

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى "وكان الصواب ما رأى عمر، فالعصر عصر صحابة للنبى صلى الله عليه وسلم لا عصر تابعين، وهم أشبه ما يكون بحوارى عيسى عليه السلام، ولنا فى أهل الكتاب تجربة حين سجل أصحاب النبى عيسى عليه السلام ما سمعوه وما رأوه، نسبت الأناجيل إليهم لا إلى عيسى ولا إلى الله، ... فكان الحذر والحيطة من عمر رضي الله عنه بالعدول عن التدوين، إذ لو فعل لم يأمن أن تتعدد كتب السنة بتعدد قائليها، وتتنوع بتنوع أسماء كاتبيها، فتكون أناجيل فى الأمة، ويهمل الكتاب الأصلى الذى هو درة التاج وقلادة العقد

لمن هذه البصيرة النافذة إن لم تكن لعمر بعد النبى صلى الله عليه وسلم؟

ولمن هذا القول الفصل إن لم يكن للفاروق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟

ولمن هذا الحرص الشديد إن لم يكن لهذا الغيور على دينه؟


(١) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للأستاذ الدكتور رءوف شلبى ص ١٧٠، ١٧١، وقارن بحجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص ٤٥٦، ٤٥٧.
(٢) سبق تخريجه ص٢٦٥.

<<  <   >  >>