للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. يقول الدكتور محمود فجال:"وهناك أسباب كثيرة تحمل على الشك فى صحة ما نسب إلى الأقدمين من رفضهم الاستشهاد بالحديث، بل هناك من الدلائل ما يكاد يقطع-إن لم يكن يقطع فعلاً - أنهم كانوا يستشهدون به، ويبنون عليه قواعدهم، سواء منهم من اشتغل باللغة أو النحو أو بهما معاً. ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلم بما ادعاه المتأخرون. وسنده فى ذلك ما يأتى:

أولاً: أن الأحاديث أصح سنداً من كثير مما ينقل من أشعار العرب، ولهذا قال (الفيومى) بعد أن استشهد بحديث: "فأثنوا عليه شراً" على صحة إطلاق الثناء على الذكر بشر (١) قال: "قد نقل هذا العدل الضابط، عن العدل الضابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة؛ فإنهم يكتفون فى النقل عن واحد ولا يعرفون حاله (٢) .

ثانياً: أن المحدثين الذين ذهبوا إلى جواز الرواية بالمعنى شرطوا فى الراوى أن يكون محيطاً بجميع دقائق اللغة، وإلا فلا يجوز له الرواية بالمعنى.على أن المجيزين الرواية بالمعنى معترفون بأن الرواية باللفظ هى الأولى، ولم يجيزوا النقل بالمعنى إلا فيما لم يدون فى الكتب وفى حالة الضرورة فقط (٣) .وقد ثبت أن كثيراً من الرواة فى الصدر الأول كانت لهم كتب يرجعون إليها عند الرواية، ولا شك أن كتابة الحديث تساعد على روايته بلفظه وحفظه عن ظهر قلب مما يبعده عن أن يدخله غلط أو تصحيف.

ثالثاً: أن كثيراً من الأحاديث دون فى الصدر الأول قبل فساد اللغة على أيدى رجال يحتج بأقوالهم فى العربية، فالتبديل على فرض ثبوته، إنما كان ممن يسوغ الاحتجاج بكلامه. فغايته تبديل لفظ يصح الاحتجاج به بلفظ كذلك (٤) .


(١) لسان العرب ١٤/١٢٤، والقاموس المحيط ٤/٣٠٤.
(٢) انظر: مجلة مجمع اللغة العربية ٣/٢٠١.
(٣) مجلة المجمع ٣/٢٠٤.
(٤) انظر: خزانة الأدب ولب لباب العرب لعبد القادر البغدادى ١/٦.

<<  <   >  >>