.. وأما الآحاد الصحاح فكذلك العمل بها جار فى سائر أنحاء العالم، مثلاً إذا أتانا رجل معتبر، وبلغنا أن فلاناً يطلبك، فحالاً نلبى طلبه، ولا نسأله أن يأتينا بالشهود على صحة قوله، إلا إذا وجدت هناك قرينة مانعة عن قبول خبرة فحينئذ نتثبت قبل الذهاب.
... وهكذا الأمر فى الأحاديث الآحادية الصحيحة: تقبل فى الأحكام ويعمل بها ما لم يوجد أمر مانع من قبولها، مثل كونها مخالفة للقرآن أو السنة المتواترة أو المشهورة، أو كونها متروكة العمل فى زمن الخلفاء الراشدين والصحابة، ففى هذه الحالة يحق لكل عالم أن يتوقف - وأقول يتوقف ولا يرد ويجحد - العمل بها، وأن يبحث عنها إلى أن يزول الإشكال، ويطمئن إليه الخاطر. وأما ترك العمل بالآحاد الصحاح مطلقاً من غير وجود علة مانعة من قبولها فغير معقول، ومخالف لما هو جار فى سائر المعاملات الدنيوية" (١) أ. هـ.
... أما زعمكم بأن أحاديث الأحكام من العبادات (صلاة، وصيام، زكاة، وحج) ومن معاملات وحدود ... إلخ أحاديث غير صالحة لكل زمان ومكان، والأمر فيها متروك لأولى الأمر كل يختار ما يناسب زمانه ومكانه، حتى لو اقتضى الأمر تركها بالكلية والأخذ بما يخالفها من تشريعات وضعية.
... فهذا ما لا يقوله مسلم يؤمن بالله رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبالإسلام عقيدة وشريعة صالحة لكل زمان ومكان.
... لأن أحاديث الأحكام التى توجد فى الأحاديث الصحيحة هى مأخوذة ومستنبطة من القرآن الكريم، استنبطها النبى صلى الله عليه وسلم من القرآن بتأييد إلهى، ووحى ربانى وهذا الاستنباط يسمى فى اصطلاح القرآن تارة "تبيناً" وتارة "إراءة" قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
(١) تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة السيد الندوى، ص ١٤ - ١٧.