للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما لم يرض على بالتحكيم أولاً؛ لأنه كان يرى الحق معه، وأن طلب التحكيم، إنما هو خدعة من معاوية وعمرو بن العاص، يريدان بها توهين جيش على وتخدير أعصابهم، لما رأياه من تفوقهم فى الموقعة فرفعوا المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله. ولو أن أصحاب علىّ أطاعوه فى عدم قبول التحكيم لتغير وجه التاريخ ولوقع معاوية وأهل الشام فى براثن الأسد ولكن أراد الله ما قد كان، ولا راد لقضائه (١) .

قال العلامة ابن حزم (٢) فى كتابه الفصل فى الملل والنحل: "إنما حكم علىّ رضي الله عنه أبا موسى وعمراً ليكون كل منهما مدلياً بحجة من قدمه، وليكونا متخاصمين عن الطائفتين، ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له.وإذ من المحال الممتنع الذى لا يمكن أن يفهم لغط العسكرين، أو أن يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم، فصح يقيناً لا محيد عنه صواب علىّ رضي الله عنه فى التحكيم والرجوع إلى ما أوجبه القرآن وهذا لا يجوز غيره، ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعراباً، قرءوا القرآن قبل أن يتفقهوا فى السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء لا من أصحاب ابن مسعود ولا من أصحاب عمر، ولا أصحاب على، ولا أصحاب عائشة، ولا أصحاب أبى موسى، ولا أصحاب معاذ بن جبل، ولا أصحاب أبى الدرداء، ولا أصحاب سلمان، ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر، ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها، فظهر ضعف القوم وقوة جهلهم" (٣) .

وفى كل ما سبق رد على ما زعمه كذباً الدكتور أحمد حجازى السقا (٤) أن الخوارج كانوا من الصحابة والتابعين ورفضوا السنة كما رفضها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنهم هم الذين نقلوا القرآن ونقلوا شعائر الدين قبل إقرار مذهب السلف فى ديار المسلمين ... وأنهم جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كجماعة معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهم، وجماعة على بن أبى طالب رضي الله عنه، وهؤلاء الجماعات الثلاث بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سب بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً (٥) .


(١) الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص ٨٤، ٨٥.
(٢) ابن حزم: هو على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى، أبو محمد، عالم الأندلس فى عصره، وأحد أئمة الإسلام، روى ابنه أبو رافع أن مصنفات والده بلغت الأربعمائة، من أشهرها: الإحكام فى أصول الأحكام، والفصل فى الملل والنحل، مات سنة ٤٥٦هـ. وله ترجمة فى: لسان الميزان لابن حجر ٤/٧٢٤ رقم ٥٧٨٢، والبداية والنهاية لابن كثير ١٢/٩١، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٣/٣٢٥ رقم ٤٤٨، وشذرات الذهب ٣/١٣، وتذكرة الحفاظ ٣/١١٤٦ رقم ١٠١٦، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص ٤٣٥ رقم ٩٨١.
(٣) الفصل فى الملل والنحل ٤/١٥٦.
(٤) هو: أحمد حجازى السقا، كاتب معاصر، حصل على العالمية فى الدعوة من جامعة الأزهر، ورفض الأزهر تعيينه بالجامعة، من مؤلفاته التى شكك فيها فى مكانة السنة النبوية، كتابه دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى، وحقيقة السنة النبوية.
(٥) دفع الشبهات عن الشيخ الغزالى ص ٦٣، ٧٧، ٩٤.

<<  <   >  >>