للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. ويقول الإمام الشاطبى فى موضع آخر من كتابه مبيناً أن بيان الصحابى حجة، قال: "وأما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه، فلا إشكال فى صحته أيضاً، كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين المبين لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (١) وهذا الإجماع حجة موجبة للعلم، ولا يعتد بخلاف من خالفهم، كما حكاه السرخسى (٢) ،عن أبى حازم القاضى (٣)

وإن لم يجمعوا عليه فهل يكون بيانهم حجة أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل. ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم فى البيان، من وجهين:

أحدهما: معرفتهم باللسان العربى، فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم، فهم أعرف فى فهم الكتاب والسنة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة.

ثانيهما: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحى بالكتاب والسنة، فهم أقعد فى فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو تخصيص بعض العمومات، فالعمل عليه صواب، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف فى المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسالة اجتهادية" (٤) .


(١) جزء من الآية ٦ من سورة المائدة.
(٢) أصول السرخسى ١/٣١٧، وانظر: علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامى للشيخ أحمد إبراهيم ص ٢٤، ٢٥.
(٣) أبو حازم هو: سلمة بن دينار المخزومى، عالم المدينة، وقاضيها، وشيخها، قال فيه ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث مات سنة ١٤٠هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب ١/٣٧٦ رقم ٢٤٩٦، وتذكرة الحفاظ ١/١٣٣ رقم ١١٩، وشذرات الذهب ١/٢٠٨، والعبر ١/١٨٩، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص٦٠ رقم ١١٧.
(٤) الموافقات ٣/٣٠٠، ٣٠١.

<<  <   >  >>