للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل يرى غيره؟ فهذا موضع اختلاف بينهم، أجازه قوم، ومنعه آخرون (١) .

... كما اختلفوا فى رؤيته بالقلوب، فقال أبو الهذيل، وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا، وأنكر بعضهم ذلك (٢) .

وقد صرحوا بأن إثبات الرؤية لا يمكن الاستدلال عليه بالسمع، أى بالقرآن والسنة، لأن الاستدلال بذلك ينبنى على أنه تعالى عدل حكيم لا يظهر المعجز على الكذابين، ومن لا يقول بذلك فلا يمكنه الاستدلال بالسمع على شئ أصلاً (٣) . بل "لا سمع ورد مصرحاً بأنه سبحانه يرى بالأبصار" (٤) ، "ولا فى كتاب الله عز وجل ذكر الرؤية فكيف يصح أن يدعى أنه تعالى سمى نفسه بأنه يرى، أو ورد السمع به" (٥) .

... ولذا كان عمدة أدلتهم فى نفى الرؤية العقل، وإن كانوا قد أتبعوا ذلك بأدلة نقلية من الكتاب والسنة تأولوها على ما يوافق أصلهم الأول "التوحيد" القائم على نفى الصفات وزعموا تعارض حديث الرؤية مع القرآن والسنة.

قال القاضى عبد الجبار متأولاً لحديث الرؤية قال: "ثم نتناوله نحن على وجه يوافق دلالة العقل، فنقول: المراد به سترون ربكم يوم القيامة، أى ستعلمون ربكم يوم القيامة كما تعلمون القمر ليلة البدر. وعلى هذا قال: "لا تضامون فى رؤيته" أى لا تشكون فى رؤيته فعقبه بالشك، ولو كان بمعنى رؤية البصر لم يجز ذلك. والرؤية بمعنى العلم مما نطق به القرآن، وورد به الشعر" (٦) .

قال الزمخشرى: "سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" بمعنى ستعرفونه معرفة جلية هى فى الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى" (٧) فحمل الرؤية على المعرفة، بينما حملها عبد الجبار على العلم.


(١) الفرق بين الفرق ص ١١٣، وانظر: أصول الدين ص ٩٧ وما بعدها.
(٢) مقالات الإسلاميين ١/٢٣٨.
(٣) انظر: شرح الأصول ص٢٦٢.
(٤) المغنى ٤/١٣٧.
(٥) المرجع السابق ٤/١٣٨.
(٦) شرح الأصول ص ٢٧٠.
(٧) الكشاف ٢/٩٢.

<<  <   >  >>