للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن الله وعد الطائعين بالثواب، وأوعد العاصين بالعقاب، وما وعد به عباده الطائعين لابد من تحققه، كرماً منه سبحانه وفضلاً، لأنه لا يخلف الميعاد كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (١) وقوله تعالى: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (٢) وليس معنى ذلك أن العباد يستحقون دخول الجنة على ربهم بأعمالهم كما يزعم أهل الاعتزال، بل إنما يدخلهم الجنة برحمته وفضله، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحداً عمله الجنة"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله بفضل ورحمة...فسددوا وقاربوا" الحديث (٣) ، وذلك بخلاف الوعيد، فإن خلفه مدح لا ذم، ويجوز عليه سبحانه أن يخلف وعيده، لأنه حقه، فإخلافه له عفو وكرم، وجود، وإحسان، ولهذا مدح به كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال:

"نبئت أن رسول الله أوعدنى ... *** ... والعفو عند رسول الله مأمول (٤) .

... والعرب لا تعد عاراً ولا خُلْفاً، أن تَعِد شراً ثم لا تفعل، ترى ذلك كرماً وفضلاً، إنما الخلف أن تعد خيراً ثم لا تفعل، ومن ذلك قول القائل:

لا يرهب ابن العم منى صولة *** ... ولا أختتى (٥) من صولة المتهدد

وإنى أن أوعدته أو وعدته ... *** لأخلف إ يعادى وأنجز موعدي (١)


(١) الآية ٣١ من سورة الرعد.
(٢) الآية ١٩٤ من سورة آل عمران.
(٣) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب، باب تمنى المريض الموت١٠/١٣٢،١٣٣رقم٥٦٧٣، ومسلم (بشرح النووى) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله تعالى ٩/١٧٤ رقم ٢٨١٦ من حديث أبى هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخارى.
(٤) انظر: لوامع الأنوار البهية ١/٣٧٠، وانظر: شرح ديوان كعب بن زهير للحسن السكرى ص١٩
(٥) أختتى: أى اتصاغر وأنكسر، انظر: لسان العرب ٢/٢٨.

<<  <   >  >>