للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعذَّبَ قومَ لوط بأنواع من العذاب لم يعذِّب بها أُمَّةً غيرهم؛ فجمع لهم بين الهلاكِ، والرَّجمِ بالحجارة من السماء، وطَمْسِ الأبصار، وقَلْبِ ديارهم عليهم بأنْ جعل عاليها سافلها، والخَسْفِ بهم إلى أسفل سافلين.

وعذبَ قومَ شعيب بالنَّار التي أحرقتهم وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها (١) بالظلم والعدوان.

وأمَّا ثمود فأَهلكَهم بالصيحة، فماتوا في الحال.

فإذا كان هذا عذابَهُ لهؤلاء، وذنبهم مع الشرك عَقْرُ ناقةٍ واحدةٍ جعلها اللهُ آيةً لهم؛ فمن انتَهَكَ محارمَ اللهِ، واستخفَّ بأوامره ونواهيه، وعَقَر عباده، وسفك دماءهم = كان أشدَّ عذابًا.

ومن اعتبر أحوال العالم (٢) قديمَا وحديثًا، وما يُعَاقَبُ به من سَعَى في الأرض بالفساد، وسَفَكَ الدماء بغير حقٍّ، وأقامَ الفتن، واستهانَ بحرمات الله = عَلِم أنَّ النَّجَاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون" (٣).

قلتُ: وقد يظهر في تخصيص ثمود بالذِّكر ههنا - دون غيرهم - معنىً آخر، وهو أنَّهم رَدُّوا الهُدَى بعد ما تيقَّنُوه وكانوا مستبصرين به، قد ثَلِجَتْ له صدورُهم، واستيقنَتْهُ أنفسُهم، فاختاروا عليه العمَى


(١) في (ن) و (ز): كسبوها.
(٢) ساقط من (ز).
(٣) هذا المقطع من كلام شيخ الإِسلام موجود في "مجموع الفتاوى" (١٦/ ٢٤٩ - ٢٥٠)؛ نقله جامعه من ههنا! وصدره بقوله: "قال ابن القيم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>