للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُطْقَه عن الهوى، وفُؤَادَه عن تكذيب بصرِه، وبَصَرَهُ عن الزَّيغِ والطغيان، وهكذا يكون المدح.

تلكَ المَكَارِمُ لا قَعْبَانِ من لَبَنٍ … شِيبَا بماءٍ فَعَادَا بعدُ أبوالا (١)

فصل

ولمَّا ذكر - سبحانه - رؤيته لجبريل عند "سِدْرَة المُنْتَهى" استطرد منها، وذكر أنَّ جَنَّةَ المأوى عندها، وأنَّها يغشاها من أمره وخلقه ما يغشى.

وهذا من أحسن الاستطراد، وهو أسلوبٌ لطيفٌ جدًّا في القرآن، وهو نوعان:

أحدهما: أن يستطرد من الشيء إلى لازمه، مثل هذا، ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩)[الزخرف: ٩]، ثُمَّ استطرد من جوابهم إلى قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف: ١٠ - ١٣]، وهذا ليس من جوابهم ولكن تقريرًا له، وإقامةً للحُجَّةِ عليهم.

ومثله قوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ


(١) هذا البيت لأُميَّة بن أبي الصَّلْت "ديوانه" (٣٤١ - ٣٥٠)، ونسب لأبيه. قَعْبَان: مثَّنى "قَعْب"؛ وهو قدحٌ بمقدار ما يروي الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>