يضرُّهم، بل يتركهم هَمَلًا بمنزلة الأنعام السائمة. فمن زعم ذلك فلم يَقْدر ربَّ العالمين حَقَّ قدره، ونَسَبَهُ إلى ما لا يليق به؛ ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)﴾ [المؤمنون: ١١٦].
ثُمَّ أقام - سبحانه - البرهانَ القاطِعَ على صدق رسوله ﷺ، وأنَّه لم يتقوَّلْ عليه فيما قاله، وأنَّه لو تقوَّلَ عليه لَمَا أقرَّهُ، ولَعَاجَلَهُ بالإهلاك، فإنَّ كمال علمه وقدرته وحكمته تأبى أن يُقِرَّ من تقوَّلَ عليه، وافترى عليه، وأضلَّ عبادَهُ، واستباحَ دماءَ من كذَّبَهُ، وحريمَهم وأموالَهم، وأظهرَ في الأرض الفسادَ والجَوْرَ والكذبَ وخلافَ الحقِّ، فكيف يليق بأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأقدر القادرين أن يُقِرَّهُ على ذلك؟
بل كيف يليق به أنْ يؤيِّدَهُ، ويَنْصُرَهُ، ويُعْلِيَهُ، ويُظْهِرَهُ، ويُظْفِرَهُ بأهل الحقِّ: يسفك دماءهم، ويستبيح أموالَهم وأولادَهم ونساءَهم، قائلًا: إنَّ اللهَ أمرني بذلك وأباحَهُ لي؟! بل كيف يليق به أن يُصَدِّقَهُ بأنواع التصديق كلِّها، فَيُصَدِّقَهُ بإقراره، وبالآياتِ المستلزِمة لصدقه التي دلالتها على التصديق كدلالة التصديق بالقول أو أظهر، ثُمَّ يُصَدِّقَهُ بأنواعها كلِّها على اختلافها، فكلُّ آيةٍ على انفرادها مصدِّقةٌ له، ثُمَّ يحصلُ باجتماع تلك الآيات تصديقٌ فوقَ تصديقِ كلِّ آيةٍ بمفردها، ثُمَّ يُعْجِزُ الخَلْقَ عن معارضته، ثُمَّ يصدِّقُه بكلامه وقوله، ثُمَّ يقيمُ الدلالة القاطعة على أنَّ هذا قوله وكلامه، فيشهد له بإقراره وفعله وقوله.
فمن أعظم المُحَال، وأبطل الباطل، وأَبْيَنِ البهتان؛ أن يُجَوَّزَ على أحكم الحاكمين وربِّ العالمين أن يفعل ذلك بالكاذب المفتري عليه، الذي هو شرُّ الخلق على الإطلاق، فمن جوَّزَ على الله أن يفعل هذا بِشَرِّ