قالوا: والأحسن أن يكون القَسَمُ بانصرام الليل، وإقبال النَّهار (١) عقيبه من غير فَصْل، فهذا أعظم في الدلالة والعبرة، بخلاف إقبال الليل وإقبال النَّهار، فإنَّه لم يُعرف القَسَمُ في القرآن بهما، ولأنَّ بينهما زمنٌ طويلٌ، فالآيةُ في انصرام هذا ومجيء الآخر عقيبه بغير فَصْلٍ أبلغ.
فذكر - سبحانه - حالةَ ضَعْفِ هذا وإدباره، وحالةَ قوَّةِ هذا وتنفُّسِهِ وإقباله؛ يطردُ ظلمةَ الليل بتنفُّسِهِ، فكُلَّمَا تنفَّسَ هَرَبَ الليلُ وأدبر بين يديه، وهذا هو القول. والله أعلم.
فصل
ثُمَّ ذكر - سبحانه - المقسَم عليه وهو "القرآن"، وأخبر أنَّه قولُ رسولٍ كريمٍ، وهو - ها هنا -: جبريل - قطعًا -؛ لأنَّه ذكَرَ صفتَهُ بعد ذلك بما يُعيِّنُه به.
وأمَّا "الرسول الكريم" في "الحاقَّة" فهو محمدٌ ﷺ؛ لأنَّه نفى بعده أن يكون قول من زعم أعداؤه أنه قولُه؛ فقال تعالى: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)﴾ [الحاقة: ٤١، ٤٢].
فأضَافَهُ إلى الرسول المَلَكِي تارةً، وإلى البَشَرِيِّ تارةً، وإضافتُهُ إلى كلِّ واحدٍ من الرسولَين إضافةُ تبليغٍ لا إضافة إنشاءٍ من عنده، وإلا