للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان في الدنيا باطلٌ فهذا منه.

فإن قيل: كيف تقولون هذا وقد أخبر رسولُه عنه بأنَّ حقَّ العباد عليه إذا عَبَدُوه وحدَهُ (١) أن لا يعذِّبهم (٢)، وقد أخبر عن نفسه أنَّ حقًّا عليه نصرُ المؤمنين (٣)؟

قيل: لَعَمْرُ اللهِ؛ وهذا من أعظم مِنَّته على عباده، أن جعل على نفسه حقًّا بحكم وعده الصادق: أن يثيبهم ولا يعذِّبهم إذا عبدوه وحده، فهذا من تمام مِنَّته، فإنَّه لو عذَّبَ أهلَ سمواته وأرضه لعذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم، ولكن مِنَّته اقتضت أنْ أَحَقَّ على نفسه ثوابَ عابديه، وإجابةَ سائليه.

ما للعبادِ عليهِ حقٌّ واجبٌ … كلَّا، ولا سَعْيٌ لديهِ ضائعُ

إن عُذِّبُوا فبعَدْلِه، أو نُعِّمُوا … فبفَضْلِه، وهو الكريمُ الواسعُ (٤)

وقوله سبحانه: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ [التين: ٧]، أصحُّ القولين:


(١) في (ح) و (م): وحَّدوه، بدل: "عبدوه وحده".
(٢) يشير إلى حديث معاذ بن جبل قال: "كنتُ رِدْفَ النبيِّ على حمارٍ يقال له "عُفَير" فقال: يا معاذُ؛ هل تدري حقَّ الله على عباده، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنَّ حقَّ الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذِّبَ من لا يشركُ به شيئًا. فقلت: يا رسول الله، أفلا أُبشِّرُ به النَّاسَ؟ قال: لا تبشرهم فيتَّكِلُوا".
أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٢٧٠١، ٥٦٢٢، ٥٩١٢، ٦١٣٥، ٦٩٣٨)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٣٠).
(٣) يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)﴾ [الروم: ٤٧].
(٤) أورد المؤلِّف هذين البيتين في: "الوابل الصيِّب" (١٥٣)، و"بدائع الفوائد" (٢/ ٦٤٥)، و"طريق الهجرتين" (٦٩١)، و"مدارج السالكين" (٢/ ٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>