للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورةً ومعنىً، وأجهلُ الخَلْق وأضعفُهم هِمَمًا ونفوسًا.

ثُمَّ ذكر استواءَ هذا المعلِّم بالأُفُق الأَعْلَى، ودُنُوَّهُ، وتَدَلِّيَهُ، وقُرْبَهُ من رسول الله ، وإيحاءَهُ إليه ما أَوْحَى.

فصوَّرَ - سبحانه - لأهل الإيمان صورة الحال من نزول جبريل من عنده إلى أن استوى بالأُفُق، ثُمَّ دَنَى فَتَدلَّى، وقَرُبَ من رسوله، فأوحى إليه ما أمره الله بإيحائه، حتَّى كأنَّهم يشاهدون صورة الحال ويُعَاينُونَهُ هابطًا من السماء إلى أن صار بالأفُق الأَعْلَى مستويًا عليه، ثُمَّ نَزَلَ وقَرُبَ من محمدٍ وخاطبه بما أمره الله به، قائلًا: ربُّكَ يقول لك كذا وكذا.

وأخبر - سبحانه - عن مسافة هذا القُرْب، بأنَّه قَدْرُ قوسين أو أدنى من ذلك، وليس هذا على وجه الشَّكِّ، بل تحقيقٌ لِقَدْرِ المسافة، وأنَّها لا تزيد على قوسين أَلْبَتَّةَ؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)[الصافات: ١٤٧] تحقيقًا لهذا العدد، وأنَّهم لا ينقصون عن مائةِ ألفٍ رَجُلًا واحدًا. ونظيره قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤]؛ أي: لا تنقُصُ قَسْوَتُها عن قسوة الحجارة، بل إنْ لم تَزِدْ على قسوة الحجارة لم تكن دونها.

وهذا المعنى أحسنُ وألطفُ وأدق مِنْ قول من جعل "أو" في هذه المواضع بمعنى (١) "بل"، ومِنْ قول من جعلها للشكِّ بالنسبة إلى الرائي (٢)، وقول من جعلها بمعنى "الواو"، فتأمَّلْهُ.


(١) "بمعنى" ملحق بهامش (ك).
(٢) في جميع النسخ: الرأي، ولعله تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>