قالوا: والحِسُّ يشهدُ أنَّ الأجزاء التي في المولود من أُمِّه أضعافُ أضعافِ الأجزاء التي فيه من أبيه.
فثبت أن تكوينه من "مَنِيِّ" الأُمِّ، ودَمِ الطَّمْثِ، و"مَنِيُّ" الأب عاقدٌ له كالإنْفَحَة.
ونازعهم الجمهور وقالوا: إنَّه يتكوَّنُ من "مَنِيِّ" الرَّجُل والأُنثى، ثُمَّ لهم قولان:
أحدهما: أنَّه يتكوَّنُ من "مَنِيِّ" الذَّكَر أعضاؤه وأجزاؤه؛ ومن "مَنِيِّ" الأُنثى صورته.
والثاني: أنَّ الأعضاءَ والأجزاءَ والصورةَ تكوَّنت من مجموع الماءَين، وأنَّهما امتزَجَا واختلَطَا وصارَا ماءً واحدًا.
وهذا هو الصواب (١)؛ لأنَّا نجد الصورة والتشكيل تارةً إلى الأب، وتارةً إلى الأُمِّ. والله أعلم.
وقد دلَّ على هذا قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣].
والأصل هو الذَّكَر، فمنه البَذْر، ومنه السَّقْي. والأُنثى وعاءٌ ومستودَعٌ لولده، تُرَبِّيه في بطنها كما تُرَبِّيه في حَجْرها. ولهذا كان الولدُ للأبِ حكمًا ونسبًا.
وأمَّا تبعيته للأُمِّ في الحُرِّيَّة والرِّقِّ فلأَنَّهُ إنَّما تكوَّنَ وصار ولدًا في
(١) وهو اختيار: القاضي عياض في "إكمال المعلم" (٢/ ١٥١)، وأبي العباس القرطبي في "المفهم" (١/ ٥٧٢).