للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فإن قيل: فهل يتكوَّنُ الجَنِينُ من ماءَين وَوَاطِئَين؟

قيل: هذه المسألةُ شرعيَّةٌ كونيَّةٌ، والشَّرْعُ فيها تابعٌ للتكوين. وقد اختُلِف فيها شَرْعًا وقَدَرًا:

فمنعت ذلك طائفةٌ وأَبَتْهُ كلَّ الإباء، وقالت: الماء إذا استقرَّ في "الرَّحِم" اشتملَ عليه، وانضمَّ غاية الانضمام، بحيث لا يبقى فيه مقدار رَسْم رأس إبرة إلَّا انْسَدَّ (١)، فلا يمكن انفتاحه بعد ذلك لماءٍ ثانٍ، لا من الواطئ، ولا من غيره.

قالوا: وبهذا أجرى اللهُ العادةَ؛ أنَّ الولد لا يكون إلَّا لأبٍ واحدٍ، كما لا يكون إلَّا لأُمٍّ واحدةٍ.

وهذا هو مذهب الشافعي (٢).


(١) في جميع النسخ: وإلا فَسَد، وما أثبته أنسب للسياق.
(٢) انظر: "الأم" (٧/ ٦٠٤)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (١٤/ ٣٦٥ - ٣٧٦)، و"البيان" للعمراني (٨/ ٢٧).
قال الإمام الماوردي في "الحاوي" (١٧/ ٣٨٤) ما ملخصه:
"والدليل على إبطال إلحاق الولد بأبوين، قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣]، وهذا خطابٌ لجميعهم، فدلَّ على انتفاء خلق أحدهم من ذكرين وأنثى. وقال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢]، فمَنَع أن يكون مخلوقًا من نطفتين.
ويدلُّ عليه أن ليس في سالف الأُمَم وحديثها، ولا جاهلية ولا إسلام؛ أن نسبوا أحدًا إلى أبوين، وفي إلحاقه باثنين خرق العادات، وفي خرقها إبطال المعجزات، وما أفضى إلى إبطالها بطَل في نفسه، ولم يبطلها. والذي يؤكد ذلك - مع ما قدَّمناه - شيئان: =

<<  <  ج: ص:  >  >>