والثاني: عُلُوُّ اللهِ - سبحانه - فوق خَلْقه، فإنَّ "النُّزُول" و"التنزيل" - الذي تعقله العقول وتعرفه الفِطَر - هو وصول الشيء من أَعْلَى إلى أسفل، والرَّبُّ - تعالى - إنَّما يخاطب عباده بما تعرفه فِطَرُهم، وتشهد به عقولهم.
وذَكَر "التنزيل" مضافًا إلى ربوبيته للعالَمين المستلزِمة لملكه لهم، وتَصَرُّفِهِ فيهم، وحكمِهِ عليهم، وإحسانِهِ وإنعامِهِ عليهم، وأنَّ مَنْ هذا شَأْنُهُ مع الخَلْق كيف يليق به مع ربوبيته التامَّةِ أن يتركَهم سدىً، ويَدَعَهُم هَمَلًا، ويخلقَهم عبثًا، لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يثيبهم ولا يعاقبهم. فمن أقرَّ بأنَّه ربُّ العالَمين؛ أقرَّ بأنَّ القرآن تنزيله على رسوله.
واستَدَلَّ بكونه ربَّ العالَمين على ثبوتِ رسالة رسوله ﷺ، وصحةِ ما جاء به. وهذا الاستدلال أقوى وأشرف من الاستدلال بالمعجزات والخوارق، وإن كانت دلالتها أقرب إلى أذهان عموم النَّاس، وتلك إنَّما تكون لخواصِّ العقلاء.
وقد أشار - سبحانه - إلى الطريقين في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣]، فهذا استدلالٌ بالآيات المُعَايَنَة المخلوقة، ثُمَّ قال: ﴿أَوَلَمْ