للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغذاء أوَّلًا فأوَّلًا، وتستقضيه يسيرًا يسيرًا. فلولا تطويل لفائف "الأمعاء" لكان الغذاءُ يخرج قبل أخذ خاصيَّته، وكانت تعرض لهم شهوةُ الأكل دائمًا، وكان الإنسان يعدم التفرغ لمصالحه وسائر أعماله، وكان - دائمًا - مُكِبًّا على الغذاء. ولهذا صار الحيوان الذي ليس (١) لأمعائه استدارات بل له مِعىً واحدٌ مستقيمٌ مكبًّا على الغذاء (٢)، عديم الصبر عنه كالمسكِر (٣).

وأمَّا ما لأمعائه استدارات فإنَّه إذا فَاتَهُ الغذاءُ أو بعضُه في الاستدارة الأُولَى صادفه في الثانية، فإن فاته في الثانية صادفه في الثالثة، والرابعة والخامسة كذلك، فيمكن صبره عن الغذاء؛ حكمةٌ بالغةٌ.

وتنفذ إلى "الأمعاء" شُعَبٌ (٤) من "العُرُوق الضاربة"، تأخذ من الغذاء جزءًا يسيرًا لطيفًا. وأمَّا "العُرُوق غير الضاربة" - هي مجاري الغذاء بالحقيقة - فأخذت أكثره.

وأمَّا "العُرُوق الضاربة" فجُعِلت مسلكًا للأرواح المنبعثة من "القلب"، فاستغْنَت بقليل الغذاء، وجعل "للقلب" وَصْلَةٌ بـ "الأمعاء" ليُسَخِّنَها أوَّلًا، ويَمُدَّها بقوَّة الحياة (٥) بإذن خالقه، ثُمَّ يأخذ منها الجزء الملائم من الغذاء المستغني عن فعل "الكبد"؛ للطافة جوهره، فإنَّ هذا


(١) ساقط من (ح) و (م).
(٢) من قوله: "ولهذا صار الحيوان. . ." إلى هنا؛ ألحق بهامش (ز).
(٣) في (ك) و (ط): كالمسك، وفي (م): كالفيل! وأهملت في (ح).
(٤) في (ح) و (م): يبعث.
(٥) في (ح) و (م): الحار.

<<  <  ج: ص:  >  >>