للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وجعل - سبحانه - "الفَمَ" أكثرَ الأعضاء رُطُوبةً، والرِّيقُ (١) يتحلَّلُ إليه دائمًا لا يُفَارِقُه.

وجعله حُلْوًا لا مالحًا كماء "العين"، ولا مُرًّا كالذي في "الأُذُن"، ولا عَفِنًا (٢) كالذي في "الأنف"، بل هو أعذَبُ مياه البدن وأحلاها، حكمةٌ بالغةٌ؛ فإنَّ الطعام والشراب يخالطه، بل هو الذي يُحِيلُ الطعامَ، ويمتزجُ به امتزاجَ العجين بالماء، فلولا أنَّه حُلْو لما الْتَذَّ الإنسانُ - بل ولا الحيوان - بطعامٍ ولا شرابٍ، ولا سَاغَهُ إلا على كُرْهٍ وتنغيصٍ.

ولمَّا كان كثيرٌ من الطعام لا يمكن جَبْذُهُ (٣) إلا بعد طَحْنِهِ (٤)؛ جعل الرَّبُّ - تعالى - له آلةً للتقطيع والتفصيل، وآلةً للطَّحْن. فجعل آلةَ القَطْع - وهي "الثَّنَايا" وما يليها - حادَّةَ الرؤوس ليسهُلَ بها القَطْع. وجعل "النَّوَاجِذَ" وما يليها من "الأَضْرَاس" مُسَطَّحَةَ الرؤوس (٥)، عريضةً، ليتأتَّى بها الطَّحْنُ. ونَظَمَها أحسنَ نظام كاللؤلؤ المنظُومِ في سلْكٍ، وجعلها من الجانب الأعلى والأسفل؛ ليتأتَّى بها القطع والطَّحْن. وجعلها من الجانب الأيمن والأيسر، إذ ربَّما كَلَّتْ إحدى الآلتين، أو


(١) تصحفت في (ز) إلى: الدقيق!
(٢) كذا في النسخ! وجاء في هامش (ك): عُنُفًا، وهو محتمل، فإن "العُنُف": الغِلَظُ والصَّلَابة. "تاج العروس" (٢٤/ ١٩٠).
(٣) في (ز): حبله، وفي باقي النسخ: جبله! ولعل الصواب ما أثبته.
و"جَبَذَ" كـ: جَذَبَ؛ وزنًا ومعنىً.
(٤) في (ح) و (م): طبخه، وزيدت في (ك) و (ط)، ولا مناسبة لها هنا.
(٥) من قوله: "ليسهل بها القطع. . ." إلى هنا؛ ساقط من (ز).

<<  <  ج: ص:  >  >>