فصل
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)﴾ [النساء: ٦٥].
أقسم - سبحانه - بنفسِهِ المُقَدَّسَةِ، قَسَمًا مؤكَّدًا بالنفي قبله؛ على عدم إيمان الخَلْق حتَّى يحكِّموا رسوله في كلِّ ما شَجَر بينهم من الأصولِ، والفروع، وأحكامِ الشَّرْع، وأحكامِ المَعَادِ، ومسائِلِ الصِّفَاتِ وغيرِها.
ولم يُثبِتْ لهم الإيمانَ بمُجَرَّدِ هذا التحكيم حتَّى ينتفي عنهم الحَرَجُ، وهو ضيقُ الصَّدْر، فتنشرح صدورُهم لحُكْمِه كلَّ الانشراح، وتَنْفَسِحَ له كلَّ الانْفِسَاح، وتقبَلَهُ كلَّ القبول.
ولم يُثبِتْ لهم الإيمانَ بذلك - أيضًا - حتَّى يَنْضَافَ إليه مُقَابَلَةُ حكمه بالرِّضى والتسليمِ، وعدمِ المُنَازَعةِ، وانتفاءِ المعارضةِ والاعتراض.
فهاهنا ثلاثةُ أمورٍ: التحكيم، وانتفاء الحرج، والتسليم.
فلا يلزم من التحكيم انتفاء الحَرَج؛ إذ (١) قد يحكِّم الرجلُ غيرَهُ وعنده حَرَجٌ من حكمه.
ولا يلزم من انتفاءِ الحَرَج الرِّضا والتسليمُ والانقيادُ؛ إذ قد يحكِّمُه وينتفي الحَرَجُ عنه في تحكيمه، ولكن لا ينقَادُ قلبُه، ولا يرضى كلَّ
(١) من قوله: "ثلاثة أمور: التحكيم. . ." إلى هنا؛ ساقط من (ح) و (م).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute