للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعها، من طعامه، وشرابه، ولباسه، ومسكنه، ومَنْكَحِهِ، وهُرُوبِهِ ممَّا يُضَاد بقاءه، وينافي مصالحه، أم يجد نفسه غير منفكَّةٍ أَلْبتَّةَ عن قول النبيِّ : "اعمَلُوا فكُلٌّ ميسَّرٌ لمَا خُلِقَ له"؟! فإذا كان هذا في مصالحِ الدنيا، وأسباب منافعها، فما المُوجِبُ لتعطيله في مصالح الآخرة، وأسبابِ السَّعَادةَ والفلاح؛ ورَبُّ الدنيا والآخرة واحدٌ؟! فكيف يُعطَّلُ ذلك في شرع الرَّبِّ وأمرِه ونهيه، ويُستَعْمَلُ في إرادةِ العبد، وأغراضِه، وشهواته؟ وهل هذا إلا مَحْضُ الظلم والجهل، والإنسان ظلومٌ جَهُولٌ، ظلومٌ لنفسه، جهولٌ بربِّه.

فهذا الذي أرشد إليه النبيُّ ، وتلا عنده هاتين الآيتين، موافقٌ لما جعله اللهُ في عقول العقلاء، وركَّب عليه فِطَرَ الخلائق حتَّى الحيوان البهيم، وأرسل به جميع رسله، وأنزل به جميع (١) كتبه.

ولو اتَّكَلَ العبدُ على القَدَر ولم يعمل لتعطَّلت الشرائع، وتعطَّلت مصالح العالم، وفسد أمر الدنيا والدَّين، وإنَّما يَسْتَرْوِحُ إلى ذلك مُعَطِّلُو الشرائع، ومن خَلَعَ رِبْقَةَ (٢) الأوامر والنواهي من عنقه، وذلك ميراثٌ من إخوانهم المشركين الذين دفعوا أمرَ اللهِ ونَهْيَهُ، وعارَضوا شرعَهُ بقضائه وقَدَرِهِ، كما حكى اللهُ - سبحانه - ذلك عنهم في غير موضع من كتابه؛ كقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ الآية وما بعدها [الأنعام: ١٤٨].

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ


(١) ساقط من (ز).
(٢) تصحفت في (ن) إلى: رقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>