للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا إرادته المتعلِّقة بفعل (١) العبد فتلك لها شأنٌ آخر؛ فإن أراد فعل العبد ولم يرد من نفسه أن يعينه عليه ويجعله فاعلًا لم يوجد الفعل وإن أراده، حتَّى يريده من نفسه أن يجعله فاعلًا.

وهذه هي النكتة التي خفيت على "القَدَريَّة" و"الجَبْريَّة"، وخبطوا في مسألة القَدَر لغفلتهم عنها، فإنَّ هنا إرادتان: إرادةُ أن يفعل العبد، وإرادةُ أن يجعله الرَّبُّ فاعلًا. وليستا متلازمتين (٢)، وإن لزم من الثانية الأُولَى من غير عكسٍ، فمتى أراد من نفسه أن يعين عبده، وأن يخلق له أسباب الفعل فقد أراد فعله. وقد يريد فعله ولا يريد (٣) من نفسه أن يخلق له أسبابَ الفعل، فلا يوجد الفعل.

فإن اعْتَاصَ عليك فَهْمُ هذا الموضع وأشكلَ عليك فانظر إلى قول النبيِّ ، حاكيًا عن ربِّه قولَه للعبد يوم القيامة: "قد أردتُ منكَ أهونَ من هذا وأنتَ في صُلْبِ آدم (٤): أن لا تُشْرِكَ بِي شيئًا، فأبيتَ إلا الشرك" (٥). فأخبر - سبحانه - أنَّه أراد من المشرك ألا يشرك به شيئًا، ولم يقع هذا المراد؛ لأنَّه لم يُرِد من نفسه إعانَتَهُ عليه، وتوفيقَهُ له.

الرابع: أنَّ فعله - سبحانه - وإرادته متلازمان (٦)، فما أراد أن يفعله


(١) "بفعل" ملحقة بهامش (ح).
(٢) في (ز) و (ن) و (ط): وليسا متلازمين، وما أثبته من (ح) و (م) وهو أصح.
(٣) "فعله ولا يريد" ملحق بهامش (ن).
(٤) في النسخ: أبيك، والتصحيح من المصادر.
(٥) أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم (٣٣٣٤ و ٦٥٥٧)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٨٠٥)، من حديث أنس بن مالك .
(٦) في (ز): متلازمتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>