أجراه ربُّه على يده، وهذا غايةُ الكَرَم الصُّوري والمعنوي.
الوصف الثاني: أنَّه "ذُو قوَّةٍ"، كما قال في موضعٍ آخر: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾ [النجم: ٥]، وفي ذلك تنبيه على أمورٍ:
أحدها: أنَّه بقوَّته يمنع الشياطين أن تدنو منه، وأن ينالوا منه شيئًا، وأن يزيدوا فيه أو يَنقُصُوا منه، بل إذا رآه الشيطانُ هَرَبَ منه ولم يَقْرَبْهُ.
الثاني: أنَّه مُوَالٍ لهذا الرسول الذي كذَّبتموه، ومُعَاضِدٌ له، ومُوَادِدٌ له، وناصِرٌ، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (٤)﴾ [التحريم: ٤]، ومن كان هذا القويُّ وليَّهُ، ومن أنصاره، وأعوانه، ومعلِّمَهُ = فهو المَهْدِيُّ المنصورُ، واللهُ هاديه وناصره.
الثالث: أنَّ من عادَى هذا الرسولَ فقد عادَى صاحبَهُ ووليَّهُ جبريلَ، ومن عادَى ذا القوَّةِ والشدَّةِ فهو عُرْضَةٌ للهَلَاك.
الرابع: أنَّه قادِرٌ على تنفيذ ما أُمِر به لقوَّتِه، فلا يعجز عن ذلك، مُؤَدٍّ له كما أُمِر به لأمانته، فهو القويُّ الأمينُ على فعله، وأحدُكُم إذا انتدَبَ غيرَهُ في أمرٍ من الأمور لرسالةٍ، أو ولايةٍ، أو وكالةٍ، أو غيرِها فإنَّما ينتدِبُ لها القويَّ عليه، الأمينَ على فعله (١)، وإن كان ذلك الأمر من أهمِّ الأمور عنده انتدب له قويًّا أمينًا معظَّمًا ذا مكانةٍ عنده، مطاعًا في النَّاس، كما وصفَ اللهُ عبدَهُ جبريلَ بهذه الصفات.
وهذا يدلُّ على عظمة شأنِ المرسِلِ، والرسولِ، والرسالةِ،
(١) من قوله: "وأحدكم إذا. . ." إلى هنا؛ ساقط من (ز) و (ن) و (ط).