للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وإتيانه بـ "إذا" التي لا تكون إلا للمُحَقَّقِ الوقوعِ يدلُّ على تحققِ وقوع هذا التبديل وأنَّه واقعٌ لا محالة، وذلك هو "النَّشْأَةُ الأُخْرَى" التي استدَلَّ على إمكانها بقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾، واستدلَّ على المِثْل بالمثل، وعلى ما أنكروه بما عاينوه وشاهدوه.

وكونهم "أمثالهم" هو إنشاؤُهم خلقًا جديدًا بعينه، فَهُمْ هُم بأعيانهم، وهم أمثالُهم، فَهُم أنفسُهم يُعَادُون. فإذا قلتَ للمُعَادِ: هذا هو الأوَّلُ بعينه؛ صَدَقْتَ، وإن قلتَ: هو مثله؛ صَدَقْتَ. فهُو هُو (١) مُعَادًا، وهو مثل الأوَّل.

وقد أوضح هذا - سبحانه - بقوله: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)[ق: ١٥]، فهذا الخَلْقُ الجديد هو المتضمَّنُ لكونهم أمثالهم. وقد سمَّاهُ الله : إعادةً، والمُعَاد (٢) مثل المُبْتَدَأ، وسمَّاهُ "نَشْأَةً أخرى" وهي مثل الأُولى، وسمَّاهُ "خَلْقًا جديدًا" وهو مثل الخَلق الأوَّل كما قال تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)[ق: ١٥]، وسمَّاهُم (٣) "أمثالًا" وَهُمْ هُمْ. فتطابقت ألفاظ القرآن، وصدَّقَ بعضُها بعضًا، وبيَّنَ بعضُها بعضًا.

وبهذا تزول إشكالاتٌ أوردها من لم يفهم المَعَاد الذي أخبرت به الرُّسُل عن الله ﷿. ولا يُفْهَمُ من هذا القول ما قاله بعض المتأخرين أنَّهم غيرُهم من كلِّ وجهٍ، فهذا خطأٌ قطعًا - مَعَاذَ اللهِ من اعتقاده -، بل هُمْ أمثالُهم، وهُمْ أعيانُهم. وإذا فُهِمَت الحقائقُ فلا يُنَاقِشُ


(١) ساقط من (ز).
(٢) في (ك): والإعادة.
(٣) "وسماهم" ملحق بهامش (ك)، وفي (ح) و (م): وسمَّاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>