للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما هو من أعظم آياته.

ولهذا عاب - سبحانه - على من عبد إلهًا لا يتكلَّمُ، وامتَنَّ على عباده بأن أقدرهم على البيان بها بالكلام (١). فكان في ذكر هذه الحروف التنبيه على كمال ربوبيته، وكمال إحسانه وإنعامه، فهي أَوْلَى أنْ يُقْسَمَ بها من الليل والنَّهار، والشمس والقمر، والسماء والنُّجُوم، وغيرِها من المخلوقات، فهي دالَّةٌ - أظْهَرَ دلالةٍ - على وحدانيته، وقدرته، وحكمته، وكماله، وكلامه، وصِدْقِ رُسُله.

وقد جمع - سبحانه - بين الأمرين - أعني: القرآنَ، ونُطْقَ الإنسان - وجعل تعليمهما من تمام نعمته وامتنانه، كما قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)[الرحمن: ١ - ٤]، فبهذه الحروف علَّم القرآن، وبها علَّم البيان، وبها فضَّلَ الإنسانَ على سائر أنواع الحيوان، وبها أنزل كتبه، وبها أرسل رُسُله، وبها جُمِعَت العلوم وحُفِظَت، وبها انتَظَمَتْ مصالح العباد في المَعَاش والمَعَاد، وبها تَمَيَّزَ الحقُّ من الباطل، والصحيحُ من الفاسد، وبها جُمِعَت أشتات (٢) العلوم، وبها أمكن تَنَقلُها في الأذهان؛ وكم جُلِبَ بها من نعمةٍ، ودُفِعَ بها من نقمةٍ، وأُقِيلت بها من عثرةٍ (٣)، وأُقيمت بها من حُرْمَةٍ، وهُدِيَ بها من ضلالٍ، وأُقِيم بها من حقٍّ، وهُدِمَ بها من باطلٍ!

فآياته - سبحانه - في تعليم البيان كآياته في خلق الإنسان، و:


(١) في (ح) و (م): بالتكلم.
(٢) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: أسباب.
(٣) "وأُقيلت بها من عثرة" ساقط من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>