للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشيءٍ، وأنَّ أرواحَهم بيده، يذهبُ بها إذا شاء، ويردُّها إليهم إذا شاء، ويُخْلِي أبدانهم منها تارةً، ويجمع بينها وبينها تارةً، وإثباتِ المَعَاد، وصدقِ رسوله فيما أخبر به عنه، وإثباتِ ملائكته (١)، وتقريرِ عبودية الخلق.

وأتى بهذا في صورة تَحْضِيضَين، وتَوْبِيخَين، وتَقْرِيرَين، وجَوَابَين، وشَرْطَين، وجَزَاءَين، منتظِمَةً أحسن الانتظام، ومتداخلةً أحسن التداخل، متعلِّقًا بعضُها ببعض. وهذا كلامٌ لا يقدر البشر على مثل نظمه ومعناه.

قال الفرَّاء: "وأُجِيبَتْ ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ﴾ و ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦)﴾ بجوابٍ وَاحدٍ وهو: ﴿تَرْجِعُونَهَا﴾ "، قال: "ومثله قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)[البقرة: ٣٨] أُجيبا بجوابٍ واحدٍ، وهما شرطان (٢) " (٣).

وقال الجُرْجَانيُّ: "قوله تعالى: ﴿تَرْجِعُونَهَا﴾ جوابٌ لقوله: ﴿فَلَوْلَا﴾ المتقدِّمة والمتأخِّرة، على تأويل: فلولا إذا بلغت النَّفْسُ الحلقومَ تردُّونها إلى موضعها إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين كما تزعمون؟ يقول تعالى: إن كان الأمر كما تزعمون أنَّه لا بعثَ، ولا حسابَ، ولا جزاءَ، ولا إلهَ، ولا ربَّ يقوم بذلك، فهلَّا تردُّون نَفْسَ من يَعِزُّ عليكم إذا بلغت الحلقوم؟ فإذ لم يُمْكِنْكُم في ذلك حِيلة بوجهٍ من الوجوه، فهلَّا دلَّكُم ذلك على أنَّ الأمر إلى مليكٍ، قادرٍ، قاهرٍ، متصرِّفٍ


(١) "ملائكته" ملحق بهامش (ن).
(٢) في "معاني الفَرَّاء": "وهما جَزَاءَان"!
(٣) "معاني القرآن" للفرَّاء (٣/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>