للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى إذ لا دِعَامَة تحتها تُمْسِكُها، ولا عِلَاقَة فوقها، ولكنَّها لمَّا كانت على وجه الماء كانت تَتكفَّأُ فيه تكفُّؤَ السفينةِ، فاقْتَضَت العنايةُ الأزليَّةُ والحكمةُ الإلهيةُ أنْ وضَعَ عليها رواسي يُثَبِّتُها بها؛ لئلا تميدَ، وليستقرَّ عليها الأنامُ.

ودلَّ جعلُها ذلولًا على الحكمة في أن لم تكن في غاية الصَّلَابة والشدَّة كالحديد، فيمتنع حَفْرُها وشَقُّها، والبناءُ فيها، والغَرْسُ، والزَّرْعُ، ويصعبُ النَّوم عليها، والمشي فيها.

ونَبَّهَ بكونها قَرَارًا على الحكمة في أنَّها لم تُخْلَق في غاية اللِّين والرَّخَاوَة والدَّمَاثة، فلا تُمْسِكُ بناءً، ولا يستقرُّ عليها الحيوان، ولا الأجسامُ الثقيلة، بل جعلها بين الصَّلَابة والدَّمَاثة (١).

وأشرف الجواهر عند الإنسان: الذهبُ، والفضَّةُ، والياقوتُ، والزُّمرُّدُ. فلو كانت الأرض من هذه الجواهر لفاتت مصالح العباد والحيوان منها، وتعطَّلت المنافع المقصودة منها (٢).

وبهذا يُعلم أنَّ جوهر التراب أشرفُ من هذه الجواهر، وأنفعُ وأَبْرَكُ، وإنْ كانت تلك أغلى وأعزَّ، فغلاؤُها وعزَّتُها لِقِلَّتِها، وإلا فالتراب أنفع منها، وأبرك، وأنفس.

وكذلك لم يجعلها شفَّافةً، فإنَّ الجسم الشفَّافَ لا يستقرُّ عليه النُّور، وما كان كذلك لم يقبل السُّخُونة، فيبقى في غاية البَرْد، فلا يستقرُّ


(١) من قوله: "فلا تمسك بناءً. . ." إلى هنا؛ ساقط من (ط)، وملحق بهامش (ن).
(٢) ساقط من (ز) و (ن) و (ك) و (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>