للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليها الرِّيح فجَفَّفَها، حتَّى صارت صَلْصَالًا (١) كالفَخَّار، ثُمَّ قَدَّرَ لها الأعضاء، والمنافذ، والأوصال، والرِّبَاطَات (٢)، وصوَّرها فأبدع في تصويرها، وأظهرها في أحسن الأشكال، وفصَّلَها أحسن تفصيل، مع اتصال أجزائها، وهَيَّأَ كُلَّ جزءٍ منها لما يُراد منه، وقدَّرَهُ لما خُلِقَ له على أبلغ الوجوه، ففصَّلَها في توصُّلِها، وأبدع في تصويرها وتشكيلها، والملائكةُ تراها ولا تعرف ما يُراد منها، وإبليس يُطِيفُ بها (٣)، ويقول: لأمْرٍ ما خُلِقَتْ!

فلمَّا تكامل تصويرُها وتشكيلُها، وتقديرُ أعضائها وأوصالها، وصار جسدًا مصوَّرًا مُشَكَّلًا كأنَّه ينطق، إلا أنَّه لا رُوحَ فيه ولا حياة = أرسلَ إليه رُوحَه، فنفخ فيه نفخةً، فانقَلَبَ ذلك الطينُ اليابِسُ (٤): لحمًا، ودمًا، وعظامًا، وعروقًا، وسمعًا، وبصرًا، وشَمًّا، ولَمْسًا، وحركةً، وكلامًا.

فأَوَّلُ شيءٍ بدأ به أن قال: "الحمدُ لله ربِّ العالمين"، فقال له خالقُه وبارئه ومصوِّرُهُ: "يرحمك ربُّكَ يا آدم" (٥). فاستوى جالسًا أجملَ


(١) "الصَّلْصَال": الطينُ الجافُّ. وقيل: المُنْتِنُ من الطين.
انظر: "مفردات الراغب" (٤٨٨).
(٢) في (ح) و (م): والرطوبات.
(٣) أخرج مسلم في "صحيحه" رقم (٢٦١١) من حديث أنس : أن رسول الله قال: "لمَّا صوَّر اللهُ آدمَ في الجَنَّة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليسُ يُطِيفُ به، ينظر ما هُوَ! فلمَّا رآهُ أجْوَف عرفَ أنه خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمَالك".
(٤) ساقط من (ح) و (م).
(٥) كما جاء في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لمَّا =

<<  <  ج: ص:  >  >>