للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنطقون".

وقال الفرَّاء: "إنَّه لَحَقٌّ كما أنَّ الآدميَّ ناطِقٌ" (١).

وقال الزجَّاجُ: "هذا كما تقول في الكلام: إنَّ هذا لحقٌّ كما أنَّك هاهنا" (٢).

قلت: وفي الحديث "إنَّه لَحَقٌّ كما أنَّكَ هاهنا" (٣).

فشَبَّهَ - سبحانه - تحقيقَ ما أخبر به بتحقيق نطق الآدميِّ ووجوده. والواحدُ منَّا يعرف أنَّه ناطقٌ ضرورةً، ولا يحتاج نُطْقُهُ إلى استدلالٍ على وجوده، ولا يُخَالِجُه شَكٌّ في أنَّه ناطِقٌ. فكذلك ما أخبر الله - سبحانه - عنه من أمر التوحيد، والنبوَّة، والمَعَاد، وأسمائه، وصفاته؛ حقٌّ ثابتٌ في نفس الأمر، يُشْبِهُ ثُبوت نطقكم ووجوده.

وهذا بابٌ يعرفه النَّاس في كلامهم، يقول أحدُهم: هذا حقٌّ مثل الشمس. وأفصح الشاعر (٤) عن هذا بقوله:

وليس يَصِحُّ في الأَذْهَانِ شيءٌ … إذا احتاجَ النَّهَارُ إلى دليل

وهاهنا أمرٌ ينبغي التفطُّنُ له؛ وهو أنَّ الرَّبَّ - تعالى - شَهِدَ بصحة ما أخبر به، وهو أصدق الصادقين، وأقسم عليه، وهو أبَرُّ المُقْسِمِين، وأكَّدَهُ بتشبيهه بالواقع الذي لا يقبل الشكَّ بوجهٍ،


(١) "معاني القرآن" (٣/ ٨٥).
(٢) "معاني القرآن" (٥/ ٥٤)، وفيه: "إن هذا لحقٌّ كما أنكَ متكلِّمٌ".
(٣) سبق تخريجه (ص/ ٢٦٥).
(٤) هو المتنبي "ديوانه" (٣٤٣)، ولفظ الديوان: "الأفهام" بدل: الأذهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>