-وكان في النسخة بعد هذا الكلام غلط وقع فيه الناسخ فلو يوقف منه على غرض- ويقال له: إن الاحتجاج بهذا الحديث لا يكون لإثبات أن الطاعات كلها إيمان، فإن كنت أضفت إلينا لهذا، فقد غلطت، وإن كنت انتقلت عن الفصل الذي ابتدأت به إلى فصل آخر، وهو أن الإيمان هل يزيد وينقص، وأردت بما حكيته عنا: أنا إن احتججنا بهذا الحديث لإثبات أن الإيمان قد ينقص حتى لا يكون في قلب إلا وزن خردلة، ثم قد يكون في قلب آخر وزن شعيرة، وفي قلب ثالث وزن بره، كما وردت به الأخبار، وهذا يدل على تفاوت الناس في إيمانهم، ثم جعلت جوابنا عن هذا ما ذكرت، فلقد أسأت الجواب. لأنك زعمت أن التوحيد لا يجوز أن يكون خردلة، بل لو وزن السموات والأرض لرجحها، وأن التوحيد فعل المتوحد كما أن سائر العبادات فعل المتعبد، وما كان فعل العبد يجوز أن يقع هذا ناقصا خفيفا. وإن كان المقصود بذلك الفعل هو الله جل ئناؤه.
ألا ترى أن الصلاة عبادة الرجل لله جل ثناؤه، كما أن الإيمان توحيد، وقد يصلي الرجل صلاة يوفيها حقوقها فتكون ثقيلة في ميزانه، وقد يصليها مقتصرة على أقل ما تحوي، ويؤديها غافلا عنها تاركا الخشوع فيها مستعجلا بالفراغ منها، فلا يكون لها ذلك الوزن بل يكون يترك الأول بدرجات كثيرة، فكذلك لا ينكر أن يكون إيمان بعض المؤمنين كاملا بتكامل شعبه وحقوقه، ويضرب له المثل بالحسد وما يشبهه. وإيمان بعضهم خفيفا ناقصا، فيضرب له المثل بوزن الذرة ووزن الخردل، وليس في ذلك شيء يرجع إلى الله تعالى.
ألا ترى أن توحيد الرب قد يعدم في بعض العباد وهم المشركون، فلا يكون لهم ما يوزن أصلا. فمن أين استحال منه إذا وجد الناقض الخفيف الذي لا يوزن إلا الشيء اليسير، من نحو ما ضرب له مثلا، والله أعلم.
فإن قيل: فكيف يكون ذلك قبل أن يكون في قلب واحد توحيد ليس معه خوف غالب على القلب فيردع، ولا رجاء حاضر له فيطمع، بل يكون صاحبه ساهيا قد أذهلته الدنيا عن الآخرة فإنه إذا كان بهذه الصفة انفرد التوحيد بها إذا كانت كلها تصديقا،