والتصديق من وجه واحد أضعف من التصديق من وجوه كثيرة، فإذا كان كذلك خف وزنه، وإذا تتابعت شهادته ثقل وزنه.
وله وجه آخر: وهو أن يكون إيمانا واحدا عن أشياء باستدلال قوي ونظر كامل، وإيمانا آخر واقعا عن الخير والركون إلى المخبر به. فيكون الأول أثقل وزنا والثاني أخف وزنا. فأما قوله: أن شيئا يكون خردلة، فلا يجوز أن يستحق الخلود في النار بعدمه، فكلام فارغ لأنه وإن كان خفيف الوزن فهو إيمان إذا عدم وجد مكانه الكفر، وعليه يكون التعذيب بالنار، فلا ينظر مع هذا الإيمان المعدوم كان خفيف الوزن أو ثقيله. وإنما ينظر إلى أن الموجود بدلا منه وهذا الكفر، والكفر أغلظ الجنايات، فحقه أن يقابل بأغلظ العقوبات والله أعلم.
وأما من ولي من أصحابنا من أن الإيمان قد ينقص حتى لا يبقى منه شيء، بمعنى أن المعاصي تحبط ثواب الطاعة بعد الطاعة حتى يخلص الأمر إلى ثواب الإيمان، فلا يزال ينقص منه شيء بعد شيء حتى لا يبقى مما يحيط ثواب منه إلا قدر برة أو قدر شعيرة أو قدر خردلة أو قدر ذرة، فإنه يقول: فإنه يقول: المراد بالحديث (يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان). أو شيء لم تحبط المعاصي ثوابه، وإن كان ذلك بقدر ذرة أو خردلة، ولا يخلد في النار من كان بهذه الصفة. وفي هذا دلالة على أن الطاعات من الإيمان وأن المعاصي تحبط ثوابها إذ كان الحديث لا يخرج إلا على هذا المعنى.
فإن قيل: أرأيت إن كانت المعاصي أحبطت ثواب جميع إيمانه، أيخلد في النار، قيل: لا، وليس تخصيص الذي بقي في قلبه قدر ذرة وخردلة من الإيمان بالذكر، ما يمنع من أن يكون الذي لم يبق في قلبه إيمان إلا وقد أحبط المعاصي ثوابه غير مخلد في النار ولكن هذا إذا لم يخلد في النار أدخل الجنة بالشفاعة، فيكون ذلك إحسانا يبتدأ به لا ثوابا. والذي في قلبه شيء من إيمان لم يبطل ثوابه إذا لم يخلد في النار أدخل الجنة لثبات بإيمانه والشفاعة إن وقعت به قليلا، يعذب أو لينقص عذابه، فهو فرق ما بينهما والله أعلم.