قال الرجل: وقد يجوز أن يكون معنى الحديث أن من أتى بمثقال حبة من خردل من خير بعد الإيمان، ولم يكن خير غير ذلك أخرج من النار بالشفاعة، وإذا لم يكن له خير قط. فالله تعالى يتفضل عليه بالعفو ولا يجعل لأحد فه شفاعة. لأن التوحيد اعتقاد فيما بينه وبين ربه فهو الذي يتفضل عليه بالإخراج من النار. فيقال له: أنك قد أتيت الخير بعد التوحيد إيمانا، ولا تشعر لأن الحديث خائضا في مثقال ذرة من الإيمان. فقلت معناه: خير كسبه بعد التوحيد، فأوجبت بذلك أن يكون الخير بعد التوحيد إيمانا، ومع هذا فكلامك غير صحيح، لأن الحديث اقتضى الإيمان الذي يكون بالقلب فعلم أنها غير مرادة بالحديث وقوفك بين من يعفى عنه بلا شفاعة. وبين من لا يعفى عنه إلا بشفاعة، نادر غريب. لأنك جعلت أحوج الرجلين إلى الشفاعة وأبعدها من استحقاق الفضل خارجا من أن تكون له الشفاعة لاحقا بمن يبدأ بالفضل والإحسان بلا مسألة، وأدناها إلى الفضل أبعدها منه، وأولاها بأن لا ينال خيرا إلا بالشفاعة، وهكذا يكون حال من يبغي ما ليس له، والله أعلم.
قال الرجل: فإن احتجوا بما ذكر في القرآن من زيادات الإيمان، قيل لهم: لا حجة لكم فيها لأن الإيمان عندكم اسم لجميع الطاعات ولا سبيل إلى استجماعها. فالإيمان على قولكم ناقص أبدا غير كامل، فكيف يجوز أن يوصف بالزيادة عليه؟
فيقال له: إن الإيمان اسم لجميع الطاعات، ولكل واحدة منها. فمن أداها جميعا كان كامل الإيمان، وأما في حال الأداء، فإن من أدى منها شيئا واجب زاد به ما تقدم من أدائه، فإن وجب شيء آخر بعده فأداه، زاد به ما مضى قبله. ولا يكون ناقص الإيمان بأن لا يكون قد حل عليه واجب بفعله إلا بالإضافة له، إلى من حل ذلك عليه ففعله، إنما ينقص إيمانه حقا إذا وجب عليه شيء فلم يفعله فبطل. بهذا قولكم أن الإيمان عندكم ناقص أبدا، وقولك لا سبيل إلى استجماع الطاعات كلها بحال، لأنها قد اجتمعت في الشرع ولو لم يكن إلى الجمع بينهما في الفعل، ما جمع بينهما في الشرع ولا نظمت في التكليف والله أعلم.
قال الرجل: والآية سمت الزيادة إيمانا لقوله تعالى: {زادتهم إيمانا} وعندكم