نفسك بكثرة السجود)، وهذا- والله أعلم- على أن الواحد قد يكون معتدل الجانب في أكثر الخصال، ثم يغلب عليه خلاف ذلك في بعضها، فيخاف عليه منه، فينهى عنه على معنى أنه إن ترك تلك الصلاة، الخصلة لم تكن فيه وراءها ما يذم. وقد يكون أكثر ما يخاف منه الضرر على الدين في بعض الأوقات ترك الجهاد. فيقال: أفضل الأعمال الجهاد. وإذا عود الأسباب باجتماع الكلم والمعاون على حماية الجورة وصلة الرحم، أي في ذلك الوقت، ثم يقع الأمن، ويبيد العدو، فيكون الإقبال على تعلم القرآن ودرسه أفضل، فيقال: أفضل الأعمال قراءة القرآن.
فأما تقديم بر الوالدين على الجهاد في خبر وتقديم الجهاد على بر الوالدين في خبر، فقد يخرج على أنه لم يزد بحرف في الترتيب. وإنما قيل: ثم أي على معنى، ثم ما الذي يحل محله فيحافظ عليه، وقد قال الله عز وجل {فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيمًا ذا مقربة، أو مسكينًا ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}. ولم يكن ذلك من تأخير الإيمان عن الإطعام، وإنما كان على أنه: أهل فك أو إطعام، وكان مع ذلك من المؤمنين الذين هم أهل الصبر وأهل المرحمة. فكذلك هذا، والله أعلم. قال: ويبين ما قلنا، أن فاطمة قالت: أتى رجل من الأنصار قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله! قال:(عليك بالصوم، فإنه لا مثل له، الله أخبرني). قلما قال في كل واحد منهما لا مثل له، علمنا أنه أراد التسوية بنيهما في علو القدر وعظم الأجر. قال: وقد تكلم الناس في المفاضلة بين الحج والجهاد، فروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان. ثم الجهاد في سبيل الله بعد ذلك عمل حسن. هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر: عليكم بالحج فإنه عمل صالح، أمر الله به والجهاد أفضل منه.
وهذا القولان قد يتفقان، فيقال: إن الحج فرض يلزم الإنسان لعينه، والجهاد