يفرض على الكفاية. فمن لم يحج حجة الإسلام وهي عليه، فالحج أفضل له من الجهاد لعينه عليه وبيانه غيره في الجهاد عنه إذا وقعت الكفاية بهم في دفع العدو دونه، وهكذا من لم يحج ولا حج عليه، إلا أنه لا حاجة بالمسلمين إليه في الغزو، أو كان ممن لا يغني عنا، أو لا يسد مسدًا، فالحج أفضل له، لأنه في الأصل على ما ذكرت. وقد يكون عظيم الغنى كثير البلاء، فيكون الجهاد أفضل له، إذا كان قد حج حجة الإسلام، لعموم يقع جهاده نفسه وغيره، واختصاصه ينفع الحج، وليس في تقديم الصائم بالذكر على الجهاد أو الحج ما يوجب تفضيله عليهما في كل حال. فإنه مع ذلك قد أمرنا بالفطر في السفر للحج والجهاد وقال: إنكم لاقوا العدو غدًا فافطروا وتقووا لعدوكم، وافطروا يوم عرفة، وأبو بكر وعمر لما فيه من التقوى على الدعاء ذلك اليوم إذ كان لفضل الدعاء يوم عرفة، واستحب الإفطار في السفر، لمن إذا صام صار كلًا على أصحابه، وجعل عمله مع الإفطار أفضل من أن يصوم، ويحتاج غيره إلى أن يعمل له، ولا شك في أن الصلاة أفضل من الصدقة، ثم قد يحدث حال يحتاج فيها إلى مواساة مضطر وإصلاح ذات بين، فتكون الصدقة أفضل من الصلاة. ثم قد رأى البيان ما قلنا في الأخبار.
روى عبد الله بن عمر، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج). روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(حجة قبل غزوة أفضل من خمسين غزوة، وغزوة بعد حجة أفضل من خمسين حجة، ولو وقف في سبيل الله أفضل من خمسين حجة).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حجة لمن لم يحج أفضل من أربعين غزوة، وغزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة). فاحتمل أن يكون القصد من هذه الأخبار بيان تضعيف أجر الغزو على الحج لمن قد حج، وأن أقصاه خمسون ثم قد ينقص منها إلى أربعين وإلى ما دونها حتى تبلغ عشرًا حسب موضع الجهاد في وقته، وموضع الحج في وقته، على مقدار ما يحضر يؤدي كل واحد منهما من النية والإخلاص.