ويحتمل أن يكون المعنى أن الحج أفضل من الغزو في حال كذا، بأضعاف كثيرة. ولغزوة أفضل من الحج في حال كذا بأضعاف كثيرة. ويعبر عن التضعيف مرة، وعن التكثير مرة بالعشر، ومرة بالأربعين ومرة بالخمسين ومرة بالمائة ومرة بما دونها أو فوقها. ولو ذكر بعد الثلاثين أو العشرين جاز وكثر من نحو هذا، فذكر بالسبعين كما قيل: ما ضر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة، فهذا هو الوجه في تخريج هذه الأخبار، وهو سبيل أهل العلم المتبعين للآثار والله أعلم، وهو تمام كلام الإمام القفال رحمه الله.
ومما جاء من الأخبار في فضل الجهاد، ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:(إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول الله. قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فهو الصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد في سبيل الله). ومعنى هذا- والله أعلم- إن الإسلام هو الذي لا يصح شيء من الأعمال إلا به، فإذا فات لم يبق معه عمل. فهو كالرأس الذي لا يسلم شيء من الأعضاء إلا ببقائه. وإذا فارق الجملة لم ينتفع بعد شيء من الأعضاء. وأما الصلاة فإنها عمود الأمر، والأمر هو الدين، لأن الإسلام لا ينفع ولا يثيب من غير الصلاة، ولا يغني قبولها عن فعلها، لأن الإسلام وحده لا يحقن الدم حق يكون معه أقام الصلاة، ولأن العرب لم تكن تمنع وتأنف كامتناعها وأنفتها من الصلاة لما فيها من الركوع والسجود وكان منهم من يشترط إذا أسلم أن لا ينحني. ولهذا قال أبو طالب: إني أكره أن تقول نساء قريش أن أبا طالب علته استه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). أي لم يحقق إيمانه فلذلك قيل الصلاة عمود الإيمان، وإنما قوله وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، فقد قيل معناه: إنه لا شيء من معالم الإسلام أشهر ولا أطهر منه، لأن الصلاة إنما يرثها المسلمون بعضهم من بعض، وكذلك الحج.
فأما الجهاد فإن المسلمين يجتمعون عليه مجاهدين المشركين، وينشر خبر ما يجري بينهم من الداني والقاصي. والهجرة في هذا كالجهاد، فهي معه وفي حكمه وإذا كان كذلك فقد