صار الجهاد كذروة السنام الذي لا شيء من البعير أعلى منه، وعليه يقع بصر الناظر من البعد. وبهذا كانت العرب عند الفخر بحسب الشريف تقول: ذروت بالسنام أي أنا في ذروة الحسب وهو أعلاه، والله أعلم.
ومنها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتى الجهاد في سبيل الله). ومعنى هذا أن النصارى كانت تترهب بالتخلي عن إشغال الدنيا، فلا تخل أكثر من بذل النفس في سبيل الله فتقتل. وأيضًا فإن أولئك المترهبة كانوا يزعمون أنهم أنما يخلون بالصوامع والأديرة لئلا يؤذوا أحدًا، ولا أذى أشد من ترك المبطل على باطله، لأن ذلك يعرضه للنار. فإن لم تكن الرهبانية دفع الأذى عن الناس، فالجهاد دافع عن المجاهدين، أعظم الأذى فهو الرهبانية إذا لا يتوهمه النصارى والله أعلم.
وفيه وجه آخر وهو أن مترهبة النصارى يجري على أيديهم مما هو عندهم احتساب وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ما لا يقدر على الامتناع منه أمر ولا مأمور. فقيل: الرهبانية هي جهاد هذه الأمة، لأنه رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يحابي فيه من المشركين رئيس ولا مرؤوس والله أعلم.
ومنها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كل دين مأخوذ من حساب صاحبه إلا من أدان في ثلاث: رجل ضعفت قوته في سبيل الله فيقوى على قتال عدوه بدين فمات ولم يقض، ورجل خاف على نفسه الفتنة في العزوبة، واستعفف بنكاح امرأته بدين فمات ولم يقض، ورجل مات عنده رجل مسلم فلم يجد ما يكفنه إلا بدين فمات ولم يقضه، فإن دينه يقضى عنه يوم القيامة).
ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من انفق في سبيل الله جعلت له ميزانه كل غداة). وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من انفق في سبيل الله كتبت له سبعمائة ضعف)