للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ذكر ذاكر قصة طاغوت، وإن الله عز وجل ملكه على بني إسرائيل، وهو يومئذ دباغ، لا نبأ له ولا صيت، ولم يكن من أهل بيت النبوة والملك، لأن النبوة والملك كانا في بني طالوت وبين يهودا، وهو إنما كان من نسل ابن يامين، ولم يكن فيهم نبوة ولا ملك.

قيل له: إنما كان ذلك محبة من الله تعالى بهم، فقد كان عهدهم بالجهاد في سبيل الله بعيدًا منقطعًا، وعلم أن ذلك يسبق عليهم، فابتلاهم حق أطاعوا أمره، وانقادوا لطالوت فأمرهم بنصره لما سمعوا وأطلقوا بعدما رجعوا بينهم، واضطربوا واستفتوا إن تمليك طالوت ليس رأيًا من بينهم، وإنما هو أمر الله تعالى ووحيه بما أتاهم من طالوت، فسكنوا إليه، أمدهم الله تعالى بداود عليه السلام، وأجرى على يده من قبل جالوت. وجمع لهم أمرين محبوبين: أحدهما هلك العدو والاستراحة منه، والآخر جرى الأمر على مدمن كان من أهل النبوة والملك دون طالوت الذي كانوا يكرهونه، ومثل هذا لا يدري أنه يتفق اليوم إذا كان رأس الجيش غير حر ولا مستلم أو لا يتفق، فوجب الاحتياط والله أعلم.

وينبغي للإمام إذا أراد الجهاد أن يستعرض من أهل القتال، فمن يراه ضعيفًا يكسب أو مرض أخرج، وإن رأى في دوابهم لا يعلم أنه لا يصلح أمر بإبداله. ويتأمل أسلحتهم فما كان منها رديئا لا يصلح العمل به أمر بتبديله. ومن كان منهم غير تام السلاح أمر بإتمامه. ومن صحب الجيش غير المقاتلة، فمن يعلم أن فيه فائدة للمقاتلة ومنفعة خلاء والخروج متهم. ومن خاف أن يكون كلا وبالًا عليهم منعه ورده. ويرد ضعاف الرجالة وذوي الآشنان منهم، لأنه لا يدري لعل هزيمة تقع فيوطأون. وإن رأى فيهم جبانًا يخشى أن يفرق ويخذل غيره رده. ويوصي الإمام إمام السرية والجند بتقوى الله، وطاعته، والاحتياط والتيقظ ويحذرهم الشتات والفرقة والإهمال والغفلة. ويأخذ على الجند أن يسمعوا ويطيعوا أميرهم ولا يختلفوا عليه، ولا يدعوا له النصيحة ولا يخذل بعضهم بعضًا، ولا جماعتهم للأمير. وإن أظفرهم الله تعالى على العدو ولم يغلوا ولم يخونوا ولم يعتدوا، ولم يقتلوا امرأة ولا تقاتلهم ولا وليدًا، ولا يعقروا من دواب المشركين التي لا تكون تحتهم دابة. وأنهم إن وصلوا إلى قرية لا يدرون حالها أمسكوا عنها وعن

<<  <  ج: ص:  >  >>