المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خلال أو خصال، فإنهن ما أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن فعوا فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين، فاخبرهم أنهم إن فعلوا، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم، وإن دخلوا فى الإسلام واختاروا دارهم فاخبرهم أنهم بمنزلة إعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا حق لهم في الفيء والغنيمة إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. وإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام، فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبلوا منهم وكف عنهم، وإن هم أبوا فأستعن الله عليهم وقابلهم).
فإن سأل سائل عن بعض ما في هذا الحديث فقال: لم قبلتم الجزية من أهل الكتاب وكففتم بها عنهم، وفي ذلك إيهامهم إنكم تقاتلونهم على المال دون الدين: وأقل ما في ذلك أن تسلكهم هذا منكم في أمركم، وتظنوا أنكم لستم على بصيرة من دينكم. فإن أرادوا الدخول في الإسلام لم يدخلوا، وإن هموا برفض الكفر توقفوا، فهلا أخذتم الكفار كلهم مجرى واحد وقابلتموهم أو تسلموا.
فالجواب- وبالله التوفيق- إنا إنما نقبل الجزية من الكافر متمسك بما كان أصله دينًا لله من قبل، وكان ذلك موروثًا له من آبائه الأصليين في ذلك الدين أو الداخلين فيه، مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان بخلاف هذه الصفة لم نقبل منه الجزية .. ووجه هذا إن الذين ذكرناهم لم يقصدوا التغليظ من الدين، وترك العبادة أصلًا، لكنهم تمسكوا بما كان أصله في وقته حقًا، فلم يجز أن نهجم عليهم بالقتل إذا كانوا لا يقاتلون، لأنا إنما نقاتلهم على شروط الذين تداخلوا أنهم ليلتزموها ويضموها إلى الأصل الذي هم مغرمون به. فلو قتلناهم قبل أن نيأس من إجابتهم، لقوينا المقدار الذي هم باذلون به من التدين، ولناقض ذلك دعاؤهم إلى ضم غيره وزيادة ما يعوله عليه. فثبت بهذا أنهم إذا كانوا غير مقاتلين، فواجب أن نكف عنهم ولا نبدأهم بالقتال حتى نقدم فيه دعوة. فإن لم يجيبونا ولم يسألونا إمامًا ولا عهدًا، فقد تعرضوا للقتال وأيسرنا من رشده، فجاز لنا قتالهم. وإن كانوا متمسكين من الديانة بشيء، لأن ذلك المقدار على الإنفراد ليس بدين