ولا هو مقبول لله عز وجل منهم، ولا نافع إياه عندهم بوجوده وعدمه سواء. وكان تطهير الأرض منهم أولى من أن يتركوا متقلبين في نعمة الله غير دائنين دينه الذي ارتضاه لهم ودعاهم إليه. فإن طلبوا منا أمانًا عقدنا لهم وأمسكنا به عنهم بقول الله عز وجل:{وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}. ومعنى ذلك- والله أعلم- إن القرآن أخذ بمجامع القلوب وحجة باهرة للقبول، فيرجوا إنهم إذا اختلطوا بنا وشاهدوا إعلام ديننا، وسمعوا كلام ربنا، وسنن نبينا صلى الله عليه وسلم استبصروا ونزعوا عن كفرهم وأسلموا، فكان عقد الإيمان لهم رفقًا، يرجو أن يعود بما لا يعود به العنف، فقدمناه وآثرناه. وأما إن عرضوا علينا الجزية ودعوناهم إليها وأجابوا، وجب الكف عنهم لقول الله عز وجل:{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
ومعنى ذلك- والله أعلم- إنهم لو استأنفوا بلا مال، ولم يكن على المسلمين ضرر من إيمانهم وجب إيمانهم، فإذا انضم إلى ذلك ضمان بمال، كان الكف عنهم أولى، لأنهم إذا استأمنوا كان حظنا من الأمان كحظهم. فإما نأمنهم كما يأمنونا، وإذا بدلوا كانت لهم في إجابتهم زيادة رفق لا يكون لهم بإزائه مثله، بل يكون عليهم فيه صغار ذلة من وجوه:
أحدها إنهم يصبرون كالعبيد المخارجين يسعون ويكسيون من يلزمهم إن ردوا إلينا ما وقع العقد عليه من غير متابعة ولا مداينة ولا استهلاك ولا خيانة، وهذا صورة العبيد الذين يستكسبهم ساداتهم، وفي ذلك متعبة لهم على رفض السبب الذي أنزلهم هذه المنزلة وهو الكفر.
فإن قيل: إنهم إذا كانوا عند أنفسهم مخفين لم نبعثهم هذه المذلة التي تلحقهم لأجل دينهم على أن يرفضوه كما لو وقع مثل هذا، لكن لم يبعثكم على رفض دينكم، إن كنتم تعلمون مثل أنفسكم إنكم محقون.