فيكون استعمالهم كل شيء أعد لهم من هذه الآلات بقدر الحاجة إليه لتدوم لأبدانها النعمة ولنفوسها الطيبة، ولا يحدث عنها أمر يتأذى به.
وأما المخالب، فإنها لم تجعل للناس لأن ذوات المخالب لم تقبض لها من سعى عليها، فاحتاجت إلى أن تسعى على أنفسها، وسخرت مع ذلك للناس حتى إن أرادوا منها أن تصطاد لهم كما تصطاد لأنفسها، أصابوا منها حاجتهم، ولم يكن فوقهم من يسخرهم، فأشعر كل ما يليق بحاله والله أعلم.
ولأن الناس إذا كانت لهم عقول، فإذا تمكنوا من الاصطياد بالآلات التي تصلح له، والسباع لا عقول لها، فكفيت أمرها أن خلق من الآلة لها والله أعلم.
فإن قيل: أقل ما ذكرتم في هذا وفي الشعر، وجب أن يكون حظ غير الناس من نظر الله تعالى أكثر من حظ الناس، لأنها مكفية والناس معرضون لتكلف كثير، والكفاية أنظر من التكلف.
قيل: ليس كذلك، لأن الكفاية الواقعة لغير الناس، إنما هي بإحضارها الآلات بأعبائها في الأصل عما يحتاج إليه الناس. فإذا استوى الكل في الحاجة، كان الناس معانين بالآلات بقضاء حوائجهم بها إذا عرضت، ثم يرفضونها ويعيشون دونها مترفهين وغيرهم تلزمه آلاتها في حال الحاجة وغير حال الحاجة لا يجدون محيصًا من كلها، كان ذلك أدل لها وأشق، وكان ما وصفناه من حال الإنسان وأنعم الإنسان وأوفر. فصح أن حظ الإنسان من نظر الله عز وجل أكثر من حظ غيره.
وأيضًا فإن الله عز وجل إنما لم يخلق للناس الشعور لأنه أراد أن يكسوهم من الملابس الناعمة الحسنة البهية ما كساهم، فجردهم عن الشعور ليخرجهم إلى من أعد لهم، حتى إذا وصلوا إليها ومكنهم منها تنعموا بها وابتهجوا، ولم يخلق لهم مخالب لأنه أراد أن يطعمهم مما تنبت الأرض أصناف الطيبات. وأن يخلق لهم من الأسلحة أصنافًا يتقون بها أكثر من المخالب، وأمكن النيل من العدو. وكان من الجنس أو من غير الجنس، ومما تباح لحومها من الدواب والطائر وإخلاهم من المخالب ليحوجهم إليها، حتى إذا يسرها لهم ومكنهم منها أكثروا وتقووا وابتهجوا.