كان كذلك، فكل طاعة تحدث فهو تصديق حادث، فوجب أن تكون زيادة إيمان وبالله التوفيق.
قال الرجل: ووجه آخر يحتمل أن يكون المراد بالإيمان نوره في القلوب، وضياؤه فيها، لا نفسه، لأن الله تعالى وصف الإيمان بالنور والضياء لقوله تعالى:{ويخرجهم من الظلمات إلى النور}. وقوله:{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم}. وقال:{كأنها كوكب دري توقد من شجرة مباركة}. وقد سمى هو الشمس شمسا، ونور القمر قمرا، فلذلك يجوز أن يسمي الإيمان نورا، فالنور لا نور له، وإنما النور البين وعندك أن الله عز وجل سمى الإيمان نورا، فإذا لم يكن للنور نور، لم يكن لك أن تحمل الوارد بزيادة إيمان على النور.
فإن زعم أن الإيمان نور وأن له نورا، لم يمكنه أن يرجع في إثبات ذلك إلى هذه الآيات، ويسأل عن نور الإيمان: الإيمان ما هو؟ فلا يمكنه أن يشير إلى معنى سوى أنه يدعو إلى الطاعات ويحول عليها، ويزجر عن المعاصي والميل إليها.
وذلك نفس قولنا، لأن كل ما حول عليه إيمان فهو إيمان، فإن بدء الإيمان الاعتقاد بالقلب فلما كان إيمانا كان ما يحول عليه من الإقرار إيمانا. ولما كان الإقرار إيمانا. كان ما يحول الإقرار عليه من قبول الشرائع إيمانا. كذلك قبول الطاعات إيمان. فوجب أن يكون ما يحول للقبول من الأفعال إيمانا قبول الإيمان هو أن اعتقاده يهدي إلى الإقرار ويقبل الأمر والنهي، والتقبل يهدي ولا يعقل له معنى سوى هذا وبالله التوفيق.
قال الرجل: وروي عن بعض السلف في تأويل الآيات، أن معناها: أنهم كانوا آمنوا بالله ورسله وبجميع ما يأتي من الله، فإذا أتى فرض بعد فرض ازداد إيمانهم بالتفسير مع إيمانه بالجملة. وقال أهل التفسير بأجمعهم في تأويلها: أنه التصديق أي زادهم تصديقا إلى تصديقهم، ويقينا إلى يقينهم، ولا أحد منعم صرف تأويلها إلى الصلاة والزكاة، ولا إلى شيء من القرب، فمن صرفه إليها فقد خالف أهل التفسير.