للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال له: أن الذي حكيته عن بعض السلف صحيح، ولكن ليس إذا كان ذلك زيادة إيمان امتنع أن يكون غيره وهو العمل بذلك المتقبل إيمانا، فقبول ما يحدث بعينه إيمان، لأنه طاعة، فكذلك ينبغي أن يكون العمل به إيمانا لأنه طاعة ويثبت بزيادة الإيمان بكل حال.

وأما المفسرون في إجماعهم على تأويل الآية: هو التصديق. فمرحبا بهم. ومن خالفهم فإنه لا يخالفهم، ويقول كما قالوا: إن زيادة الإيمان ليست إلا زيادة التصديق، لكن كل طاعة تصديق، فحدوثها كحدوث فضل اليقين أو الثبات وبالله التوفيق.

قال الرجل: واحتجوا بما روي عن بعض الصحابة: أن القبلة لما حولت خشي كثير من الصحابة على من مات منهم ضياع صلاتهم، فنزل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}. يعني صلاتكم إلى بيت المقدس.

قيل لهم: أن هذا الخبر لا يصح عن الصحابة لأنه لا يجوز أن يسبق إلى فهم أحد أن الله تبارك وتعالى يضيع عملا عمل بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأن ذلك يوجب شكا في خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك كما ذكروا، لكان خوف الصحابة على أنفسهم من ذلك أوجب من الخوف على من مات منهم، والسؤال عن إعادة تلك الصلوات ألزم لهم من غيرهم، ولم يرو عنهم في ذلك شيء. فدل أن هذا التأويل باطل، ولأن الآية جاءت بذكر من بقي من الصحابة دون من مات منهم لقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ولم يقل إيمانهم. وإذا بطلت القصة التي هي دلالة تسميتهم الصلاة إيمانا بطل التأويل.

فيقال له: الذي ذكرت أنه لم يرو وقد روي، وجاء أن هذه الآية كما نزلت سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتهم إلى بيت المقدس، ومعنى هذا أنهم سألوا: أهل عليهم إعادتها؟ وروي أنهم سألوا عن إخوانهم الذين قتلوا قبل تحويل القبلة. ومعنى هذا أنهم لما سألوا عن أنفسهم فأخبروا أن لا إعادة عليهم، ظنوا أن سقوط الإعادة عنهم إنما هو لأنهم أدركوا القبلة الجديدة. فلما صلوا إليها لم يتبعوا فيما صلوا قبلها إلى غيرها.

وأما إخوانهم الذين ماتوا من قبل فعسى أن تضيع صلواتهم فسألوا عنهم. وهذا كما روي: أنه لما نزل تحريم الخمر، قالوا: كيف فمن مات وهو يشربها؟ فأنزل الله عز

<<  <  ج: ص:  >  >>