وأما التصريح بالخطبة فإنه حلال في غير العدة، فكان التعريض جائز، قال الله عز وجل:} ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أو كنتم في أنفسكم، علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدونهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا {. جاء في تفسيره أنه قول الرجل للمرأة في عدتها والله إنك لجميلة، وإنك لشابة، وإن النساء لمن حاجتي، ولعل الله أن يسوق إليك خيرا ونحو ذلك، وهذا لأنه قول مأمور في بعض السلف أنه تصريح. وأن التعريض أن يقول: ما أطول عدتك، ولو قد انقضت وما يشبه هذا، والله أعلم.
وقد جاء في بعض السلف أن الكذب في الحرب حلال، وأن الكذب في الإصلاح بين الزوجين حلال. وليس ذلك على صريح الكذب فإنه لا يحل بحال. وإنما المباح من ذلك ما كان على سبيل التورية. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد سفرا وري بغيره لا أنه كان يقول: إني اريد وجه كذا، ثم يأخذ في وجه غيره، حاشا له صلى الله عليه ووسلم من ذلك، ولكن كما يقول القائل: إذا اراد أن يلبس الوجه الذي يقصده على غيره، فيسأل عن حال الطريق: أسهل هو أم وعر؟ خصب هو أم جدب! وعن عدد منازله. ليظن من يسمع أنه يريده. وهكذا الإصلاح بين الزوجين لم ينجح فيه صريح الكذب، لكن التعريض وما يظن بقائله أنه يكذب فيه، ولا يكون كذبا، كالمرأة تشكو إلى زوجها يبغضها ولا يحسن إليها، فيقول الرجل لها: لا تقولي ذلك، فمن له غيرك. وإذا لم يحبك فمن يحب! وإذا لم يحسن إليك، فلم يحسن إحسانه يعود لك، فما يوهمها أن زوجها لها بخلاف ما يعلمه. وإن كانت صادقة في ظنها ليصلح بذلك ما بينهما.
وعن الزهري أنه قال: ليس بكذاب من درأ عن نفسه، أي بالكذب المذموم. أي أن الكذب في حال الضرورة مباح. وقال: ليس بالكذاب الذي يتمنى خيرا، ويقول خيرا، ليقول خيرا، ليصلح بين الناس.
وقال سفيان: لو أن رجلا اعتذر إلى رجل فحرف الكلام وحسنه ليرضيه لم يكن بذلك كذبا. ومما روي عن إبراهيم عليه السلام من أنه كذب ثلاث كذباات، فهي من هذا