للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع. إحداها أنه قال: إني سقيم وهو أنه إنما أراد ما بسقيم، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:} إنك ميت وإنهم ميتون {. أي ستموت وسيموتون، يغر أن السامع ظن أنه يقول: إن بي سقما.

والثانية. قوله:} بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون {أي فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون، فاسألوهم وهو على هذا لا يكون كذبا.

والثالثة. قوله لسارة: هي أختي إنما أراد بذلك في الدين لا في النسب.

وإذا قيل: هذه الألفاظ كذبات، لأنها أوهمت الكذب، وإن كانت بأنفسها غير كذب. وقد يسمى الإيهام كذبا، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلا جاءه فأخبره: أن أخاه يشكو بطنه. فأمره أن يسقيه عسلا فسقاه، ثم رجع، فأخبر أنه لم ينفعه، فقال: (صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاه، فبرأ). لم يرد بقوله كذب بظن أخيك، الكذب المعروف الذي هو نقيض الصدق، لأن الصدق والكذب يكون في الأخبار، والبطن لا خبر له. وإنما اراد أن يقال لوجع أو وهن. أن العسل لا ينفعه. وليس هذا الوهم بصحيح، فأعد عليه العسل فلما عاد، صدق الله نبيه، وعافاه عنده، والحمد لله.

والكذب في الجملة مذموم، وهو جملة الشتائم القبيحة التي يقذف منها من عرف منه. فيقال: يا كذاب، وي كاذب. وقد حكى الله تعالى عن الأمم الماضين، أنها كانت تقذف به أنبياءها. ثم توعدهم على ذلك، فقال حكاية عن ثمود أنهم قالوا لنبيهم:} أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر {. ثم توعدهم فقال:} سيعلمون غدا من هو الكذاب الأشر {. وحكى عن شعيب أنه قال لقومه:} سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ومن هو كاذب {. وهذا يدل على أن قومه كانوا رموا بالكذب فقال لهم: ستعلمون من هو كاذب! وقذف عز وجل من أراد بقبحه، فقال:} إن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>