قال الرجل: احتجوا بقول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} قيل لهم: لا يصح هذا التأويل، لأنه يوجب وصف الدين بالنقصان، ولا يجوز أن يقال أن الدين غير كامل في وقت من الأوقات. لأنه يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شهدوا بدرا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعتين جميعا، وبذلوا أنفسهم لله مع عظيم ما حل بهمم من أنواع المحن. على دين ناقص، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وكان يدعو الناس إلى دين ناقص. ومعلوم أن النقص عيب دين الله فيتم. كما قال:{دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا} ولو كانت الآية على ما توهموا من أن الدين كان غير كامل لقوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم} لوجب أن يكون قوله: {ورضيت لكم الإسلام دينا} يدل على أنه كان لا يرضى به بعد ذلك.
فيقال له: لم قلت أن كل نقصان فهو عيب؟ وما دليلك على هذا؟ فإنا لدعواك جاحدون. ثم يقال له: أرأيت نقصان الشهر! هل يكون عيبا له؟ ونقصان صلاة المسافر، أهو عيب لها؟ ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله:{وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} أهو عيب له بكل حال؟ ونقصان أيام الحيض عن المعهود، ونقصان أيام الحمل أهو عيب؟ ونقصان المال بسرقة أو حريق أو غريق، إذا لم يفتقر به صاحبه أهو عيب له؟
فإذا كانت هذه الوجوه من النقصان وما يشبهها غير عيب! فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في زمان الشرع قبل أن يلحق بها الأجزاء الباقية في علم الله تعالى ليس بشين ولا عيب. ولا أنكرت أن معنى قول الله عز وجل:{اليوم أكملت لكم دينكم} يخرج على وجهين:
أحدهما أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب، لكنه يوصف بنقصان مقيد. فيقال له: إنه كان ناقصا عما كان عند الله، أنه ملحقه به وضامه إليه، كالرجل يبلغه الله مائة سنة. فيقال: أكمل الله عمره، ولا يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان من