للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنين، كان ناقصاً نقص قصور وخلل. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر". ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيد، فيقال: كان ناقصا عما كان عند الله، أنه مبلغه إياه معمره إليه، وقد بلغ الله، فالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات. فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحا، ولا يجب عن ذلك أنها كانت- حين كانت ركعتين- ناقصة بعض قصور وخلل.

ولو قيل: كانت ناقصة عمل عبد الله انه ضامه إليها، وزائدة عليها لكان ذلك صحيحا، فهذا هكذا في شرائع الإسلام، وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أنه أنهى الله تعالى: أن الدين منتهاه الذي كان له عنده، والله أعلم.

والوجه الآخر: أنه أراد بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} أنه وفقهم الحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره. فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه، وقياما بفرائضه. فإنه صلى الله عليه وسلم يقول: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت".

وقد كانوا شهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجوا، فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أنزل الله تعالى وهم الموقف عشية عرفة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فإنما أراد به أنه أكمل وضعه لهم، وفي ذلك دلالة على أن أعمال البر كلها دين وإيمان وإسلام. ومن قال بالوجه الأول ذهب إلى أنه أكمل الدين وصفا، واحتج بما روي من أن هذه الآية لما نزلت استقرت الفرائض فيما غير منها شيء إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على أن الطاعات كلها دين كما الاعتقاد والإقرار دين والله أعلم.

وأما قول الله عز وجل: {ورضيت لكم الإسلام دينا} فإنما معناه ورضيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم دينا لكم إلى آخر الأبد. فلا أغير شيئا منه ولا أزيد

<<  <  ج: ص:  >  >>