للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أنقص، فأما من قبل ذلك فإنه كان يرضى شيئا من دينهم لهم وقتا ثم لا يرضاه لهم بل رضي خلافه فلما أكمل الدين أخبر أنه قد رضي لهم جميع ما هم عليه لهم دينا فلا يغيره أبدا. فهذا معنى الآية وهو بعيد مما ظنه الرجل وبالله التوفيق.

قال الرجل: وعلى أنه لا سبيل إلى إكمال الدين على مذهبهم، لأن الدين عندهم اسم لا حد له من الخيرات، ولا يقدر أحد على القيام بإنفاقه، فلا تمام للدين على هذا المذهب ويبطل امتنان الله على العباد بإكمال الدين.

فيقال له: إن الخيرات لا حد لها من ناحية العباد وأفعالهم، وإلا فشعب الإيمان محدودة معلومة، فما دخل في جملتها فإيمان وجماعها جماع إيمان. وهذا كما أن الصلاة عبادة محدودة معلومة، ولكن لا حد لما يفعله الناس منها ولا مقدارا. والمأكول والمشروب بين معلوم، ولكن أكل الناس وشربهم لا حد لها ولا مقدار. فهكذا الإيمان محدود في حكم الله تعالى معلوم، ولكن فعل العباد له عودا على بدء لا حد لها، وإنما وصف الله تعالى بالإكمال وضعه وشرعه لا أفعالهم والله أعلم.

قال الرجل: ويحتمل أن يكون معنى الآية، أظهرت دينكم فقدرتم على إعلانه في كل موضع، ويئس عدوكم من أين يتركون دينكم لقوله عز وجل: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} وكما قال: {والله متم نوره} ليس إن نوره كان غير تام حتى يتمه، وإنما أراد إظهاره الخلق. ألا ترى أنه قال: {يريدون ليطفئوا نور الله} فلو كان نوره ناقصا، فدل أنه كان تاما.

فيقال له: إن الإظهار لا يسمى إكمالا، وقد يكون الشيء كاملا غير ظاهر، وظاهرا غير كامل. ولا يجوز مع هذا أن يكون بالإكمال في الآية الإظهار، وأيضا فإنه لم يقع يوم نزلت هذه الآية للدين إظهار لم يكن من قبل، وعلى تأويلنا قد وقع له كمال لم يكن من قبل. فنحن إذا أجريناها على ظاهرها اعتدل لنا ظوارها.

وأنت إذا تأولتها امتنع عليك ما ينحلها فسيان ما القولان. وأيضا فكيف يجوز أن يكون المراد إظهار الدين الذي وعده بقوله عز وجل: {ليظهره على الدين كله}.

<<  <  ج: ص:  >  >>