للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان ما بقي من مشارق الأرض ومغاربها غير مفتوح أكثر من المفتوح، وفي ذلك ما يبين أن المراد بالآية ما قلنا وبه وردت الآثار فلا معك عنها إل الهواجس التي تشبه الوساوس.

وأما قوله عز وجل: {والله متم نوره} فالمراد به دينه الذي هدى به عباده، وإنما أتمه شيئا فشيئا ثم أكمله، فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} ومن ظن أن لله عز وجل نورا سوى هدايته فهو إلى الإيمان أحوج منه إلى الكلام في الإيمان.

ويقال له: أحسبت أن الدين في كل وقت كان كاملا، فما الذي منع من أن يكون الكمال درجات، فيكون كامل أكمل من كامل. وقد قال الله عز وجل: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فقلت: هذا كمال، ووراءه ما هو أبلغ منه وهو ثلاثون شهرا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من وقف بعرفة فقد تم حجه). وأجمعنا على أن وراءه تماما آخر. فلم أحلت أن يكون للدين في الكمال متأول، ثم يكون لها آخر إذا انتهى إليه قبل الإطلاق، وقد كمل الدين وبالله التوفيق.

قال الرجل: فإن احتجوا بقول الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا}. قيل لهم: أن المراد بالجهاد مجاهدة نفسه.

فيقال له: قد ثبت أن جهاد المسلم نفسه إيمانا، وأنت لا تقول ذلك، فسواء خالفت الآية بإنكار أن يكون هذا الجهاد إيمانا، وإنكار أن يكون جهاد المشركين إيمانا، وعلى أنه قيل في الآية: {بأموالهم وأنفسهم} فصح أن المراد بها جهاد الكفار والله أعلم.

قال الرجل: وإن كان المراد جهاد الكفرة، فالمراد هو القبول دون الفعل، لأن الفعل لو كان شرط الإيمان، لكان سائر ما ذكر من صفات المؤمنين، مثل قوله: {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ومثل قوله: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} {وتواصوا بالحق} شرطا في الإيمان. فبطل أن يون على وجه الأرض مؤمنا، فسقط الخطاب الذي جاء المؤمنين. فثبت أن المراد هو القبول، فيقال: أن الله عز وجل لما

<<  <  ج: ص:  >  >>